الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح المغيث شرح ألفية الحديث ***
840- وصَنَّفُوا فيما عن ابنٍ أَخَذَا *** أَبٌ كعَبَّاسٍ عن الفَضْلِ كَذَا 841- وَايِلُ عنْ بَكْرِ ابْنِهِ والتَّيْمِي *** عن ابْنِهِ مُعْتَمِرٍ في قَوْمِ 842- أمَّا أبو بَكْرٍ عن الْحَمْرَاءِ *** عائشةٍ في الْحَبَّةِ السوداءِ 843- فإنَّهُ لابْنُ أبي عَتِيقِ *** وغُلِّطَ الواصِفُ بالصِّدِّيقِ 844- وعَكْسُهُ صَنَّفَ فيهِ الوَائِلِي *** وهْوُ مَعَالٍ للحَفيدِ النَّاقِلِ 845- ومِنْ أَهَمِّهِ إذا ما أُبْهِمَا *** الأَبُ أوْ جَدٌّ وذاكَ قُسِمَا 846- قِسمَيْنِ عنْ أبٍ فقطْ نَحْوُ أَبِي *** العُشَرا عنْ أَبِهِ عن النَّبِي 847- واسْمُهُما على الشهيرِ فاعْلَمِ *** أُسامةُ بنُ مالِكِ بنِ قِهْطِمِ 848- والثاني أنْ يَزيدَ فيهِ بَعْدَهُ *** كبَهْزٍ اوْ عَمْرٍو أَباً أوْ جَدَّهُ 849- والأَكْثَرُ احْتَجُّوا بعمرٍو حَمْلا *** لهُ على الْجَدِّ الكبيرِ الأَعْلَى 850- وسَلْسَلَ الآبَا التَّمِيميُّ فَعَدّ *** عنْ تِسعةٍ قُلْتُ: وفوقَ ذا وَرَدْ (روايَةُ الآباءِ عَنِ الأبْنَاءِ وعَكْسُهُ)، وهما نَوْعَانِ مُهِمَّانِ. وفَائِدَةُ ضَبْطِ أَوَّلِهما الأمنُ منْ ظَنِّ التحريفِ الناشئِ عنهُ كَوْنُ الابنِ أباً، وإِنَّما أُخِّرَ عن الذي قبلَهُ معَ كونِهِ منْ أفرادِ الأكابرِ عن الأصاغرِ؛ لضَمِّ الثاني إليهِ. (وصَنَّفُوا) كالخطيبِ (فِيمَا عَن ابنٍ أَخَذَا أَبٌ)؛ أيْ: فيما أخَذَهُ الأبُ عن ابنِهِ، وهوَ أَوَّلُ النَّوْعَيْنِ، كتاباً لطيفاً، وقدْ سَمِعْتُهُ، وفيهِ أمثلةٌ كثيرةٌ؛ كقولِ أنسٍ: حَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أَمِينَةُ أنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي إلى مَقْدِمِ الحُجَّاجِ البصرةَ بضعٌ وعِشْرونَ ومِائةٌ. وكرِوايتِهِ أيضاً عن ابنِهِ ولم يُسَمِّهِ، وكروايَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ عن ابنِهِ عبدِ اللَّهِ، كما في المُسْتَخرَجِ منْ كُتُبِ الناسِ للفائدةِ لأبي القاسمِ بنِ مَنْدَهْ. (و كـ)ـروايَةِ (عَبَّاسٍ) عَمِّ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ (عَن الفَضْلِ) ولَدِهِ لحديثِ الجمعِ بينَ الصلاتيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ حَسْبَما رَواهُ الخطيبُ، وأشارَ إليهِ ابنُ الجَوْزِيِّ في (التلقيحِ)، وكَرِوَايَتِهِ أيضاً عنْ وَلَدِهِ البَحْرِ عبدِ اللَّهِ. و(كَذَا) روَى (وَايِلُ) بكسرِ التحتانِيَّةِ ودُونَ تنوينٍ، ابنُ دَاوُدَ، (عَنْ بَكْرِ) بِدُونِ تنوينٍ أيضاً (ابنِهِ) ثمانيَةَ أحاديثَ، منها ما رواهُ بَكْرٌ عن الزُّهْرِيِّ، عنْ أنسٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيقٍ وتَمْرٍ). أخرَجَهُ الأربعةُ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ. وعن الزُّهْرِيِّ أيضاً عنْ سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ مَرْفوعاً: (أَخِّرُوا الأَحْمَالَ؛ فَإِنَّ الْيَدَ مُعَلَّقَةٌ وَالرِّجْلَ مُوَثَّقَةٌ). أخرَجَهُ الخطيبُ وقالَ: لا يُرْوَى عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فيما نَعْلَمُهُ إلاَّ منْ جهةِ بكرٍ وأبيهِ.
قُلْتُ: قدْ أخرَجَهُ أبو يَعْلَى في مُسْنَدِهِ منْ حديثِ قيسِ بنِ الربيعِ عنْ بَكْرٍ، لا ذِكْرَ لِوَايِلٍ فيهِ. (وَ) كذلكَ منْ أمثلتِهِ روايَةُ سُلَيْمَانَ بنِ طَرْخَانَ (التَّيْمِي) بمُثنَّاةٍ فَوقانيَّةٍ مُشدَّدَةٍ ثمَّ تَحتانِيَّةٍ وبإسكانِ ياءِ النِّسبةِ (عن ابْنِهِ مُعْتَمِرٍ) لحَدِيثيْنِ. بلْ عندَ الخطيبِ أيضاً منْ روايَةِ مُعْتَمِرٍ قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قالَ: حَدَّثْتَنِي أَنْتَ عَنِّي، عنْ أَيُّوبَ هوَ السِّخْتِيَانِيُّ، عن الحَسَنِ هوَ البَصْرِيُّ، أنَّهُ قالَ: وَيْحَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وهذا ظريفٌ يَجْمَعُ أنواعاً يعني كروايَةِ الآباءِ عن الأبناءِ وعَكْسِهِ، والأكابرِ عن الأصاغرِ، والمُدَبَّجِ والتحديثِ بعدَ النِّسْيانِ واجتماعِ ثلاثةٍ من التابعِينَ في نَسَقٍ، (في قَوْمِ) غيرِ هؤلاءِ، رَوَوْا عنْ أبنائِهم؛ كأحمدَ بنِ شَاهِينَ، عن ابنِهِ محمدٍ، وإسحاقَ بنِ بهلولٍ، عن ابنِهِ يَعْقُوبُ، والحَسَنِ بنِ سُفْيانَ، عن ابنِهِ أَبِي بَكْرٍ، وزَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عن ابنِهِ يَحْيَى، وسَعِيدِ بنِ الحَكَمِ المِصْرِيِّ عن ابنِهِ محمدٍ، وأبي دَاوُدَ سُلَيمانَ السِّجِسْتانِيِّ عن ابنِهِ أبي بكرٍ عبدِ اللَّهِ، وشُجاعِ بنِ الوليدِ عن ابنِهِ أبي هِشَامٍ الوَلِيدِ، وعبدِ الرحمنِ بنِ إبراهيمَ المَقْدِسِيِّ عن ابنِهِ أبي الرِّضا محمدٍ، وعَلِيِّ بنِ حَرْبٍ الطائِيِّ عن ابنِهِ الحَسَنِ، وعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ أَبِي عِيسَى الداربجرديِّ عن ابنِهِ الحَسَنِ، وعُمَرَ بنِ محمدٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ البحيريِّ صاحِبِ (الصحيحِ) عن ابنِهِ محمدٍ، وعُمَرَ بنِ يُونُسَ اليَمامِيِّ عن ابنِهِ محمدٍ، وكثيرِ بنِ يَحْيَى البصريِّ عن ابنِهِ يَحْيَى، ومحمدِ بنِ يَحْيَى الذهليِّ عن ابنِهِ يَحْيَى، ويَحْيَى بنِ جَعْفَرِ بنِ أعينَ عن ابنِهِ الحُسَيْنِ، ويُونُسَ بنِ أبي إسحاقَ السَّبيعِيِّ عن ابنِهِ إسرائيلَ، وأبي بَكْرِ ابنِ أبي عَاصِمٍ عن ابنِهِ أَبِي عبدِ الرحمنِ، وأبي بَكْرِ بنِ عَيَّاشٍ عن ابنِهِ إبراهيمَ، وفي بعضِ هؤلاءِ مَنْ رَوَى أكثرَ منْ حديثٍ، وأكثرُ ما في كتابِ الخطيبِ مِمَّا رَواهُ أبٌ عن ابنٍ سِتَّةَ عَشَرَ حَدِيثاً أوْ نحوَها، وذلكَ لحفصِ بنِ عُمَرَ الدوريِّ عن ابنِهِ أبي جَعْفَرٍ محمدٍ، وكالحافظِ أبي سَعِيدِ بنِ السَّمْعانيِّ صاحبِ (ذَيْلِ تاريخِ بغدادَ) عن ابنِهِ عبدِ الرحيمِ مِمَّا رَواهُ ابنُ الصلاحِ عنهُ لَفْظاً قالَ: أنبأني والدي عَنِّي فيما قَرَأْتُ بخَطِّهِ، قالَ: حَدَّثَنِي وَلَدِي أبو المُظَفَّرِ عبدُ الرحيمِ مِنْ لَفْظِهِ وأصْلُهُ، فذكَرَ بإسنادِهِ وهوَ منْ حديثِ العلاءِ بنِ مَسْلَمَةَ الرواسِ المُتَّهَمِ بالوَضْعِ عنْ إسماعيلَ بنِ عَيَّاشٍ، عنْ بردٍ، عنْ مَكْحولٍ، عنْ أبي أُمامةَ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: (أَحْضِرُوا مَوَائِدَكُمُ البَقْلَ؛ فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ للشَّيْطَانِ مَعَ التَّسْمِيَةِ). وهذا مِمَّا أدخَلَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ في الموضوعاتِ، وقالَ ابنُ كَثِيرٍ: أخْلَقُ بهِ أنْ يَكُونَ كذلكَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وهذا آخِرُ ما رُوِّيناهُ منْ هذا النوعِ، وأقْرَبُهُ عهداً. ورَوَى محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ أحمدَ الصَّفَّارُ عن ابنِهِ أبي بَكْرٍ أبياتاً قالَها، وأبو عُمَرَ بنُ عبدِ البَرِّ الحَافِظُ عن ابنِهِ أبي محمدٍ عبدِ اللَّهِ بيتيْنِ لنفسِهِ، وهما: لا تُكْثِرَنَّ تَأَمُّلاً وأمـْ *** ـلِـكْ عَلَيْكَ عِنَانَ طَرْفِكْ فَلَرُبَّمَا أرْسَلْتَهُ فَرَمَا *** ـكَ فِي مَيْدَانِ حَتْفِكْ والسراجُ عُمَرُ البُلْقِينيُّ عن ابنِهِ القاضي جَلالِ الدينِ أبي الفَضْلِ بيتيْنِ قَالَهما شَفَاهاً مُعَزِّياً للملكِ الظاهرِ في وَلَدِهِ محمدٍ، وهما: أنْتَ المُظَفَّرُ حَقَّا *** وللمَعَالِي تَرْقَى وأجْرُ مَنْ مَاتَ تَلْقَى *** تَعِيشُ أنتَ وتَبْقَى سَمِعَهما من السراجِ، الوليُّ أبو زُرْعةَ ابنُ المُصنِّفِ وقالَ لهُ: أَرْوِي هذا عنكَ، عنْ وَلَدِكَ، فيَكونُ منْ روايَةِ الآباءِ عن الأبناءِ؟ قالَ: نَعَمْ. وكأَبِي الشيخِ ابنِ حَيَّانَ عن ابنِهِ عبدِ الرزاقِ حِكايَةً، والمُصَنِّفِ عن ابنِهِ أبي زُرْعَةَ أحمدَ الوَلِيِّ. فائدةٌ: وهيَ أنَّهُ قالَ: لا أعْلَمُ حديثاً كثيرَ الثوابِ معَ قِلَّةِ العملِ أصَحَّ منْ حديثِ: (مَنْ بَكَّرَ وابْتَكَرَ، وغَسَّلَ واغْتَسَلَ، ودَنَا وأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بكُلِّ خُطْوَةٍ يَمْشِيهَا كَفَّارَةُ سَنَةٍ) الحديثَ. سَمِعَ ذلكَ شيخُنا منْ شيخِهِ المُصَنِّفِ، وثَنَا بهِ كذلكَ غيرُ مَرَّةٍ، وكذا ثَنَا أنَّ شَيْخَهُ نَاصِرَ الدِّينِ بنَ الفُراتِ حَكَى في تاريخِهِ عنْ وَلَدِهِ العِزِّ عبدِ الرحيمِ، يعني شيخَنا مُسْنَدَ عَصْرِهِ، ويَلْتَحِقُ بهذا روايَةُ المَرْءِ عن ابنِ ابنتِهِ، وفيهِ قِصَّةُ الحبالِ عنْ عبدِ الغَنِيِّ أنَّهُ أرسَلَ ابنَ ابنتِهِ أبا الحَسَنِ بنِ بَقَّا إلى بعضِ الشيوخِ بمِصْرَ في حديثٍ فحَدَّثَهُ بهِ، فقَرَأهُ عبدُ الغَنِيِّ عن ابنِ ابنتِهِ عنْ ذلكَ الشيخِ. ومن أغْرَبِ ما في هذا البابِ أنَّ القاضِيَ عِزَّ الدينِ بنَ جَماعةَ أخبَرَ والدَهُ البَدْرَ محمدَ بنَ إبراهيمَ بنِ سعدِ اللَّهِ بنِ جَمَاعَةَ أنَّ ابنَ أخيهِ أبا إسحاقَ إبراهيمَ بنَ عبدِ الرحمنِ بنِ إبراهيمَ بنِ سَعْدِ اللَّهِ بنِ جَماعَةَ أنشَدَهُ قالَ: أنْشَدَنِي عَمِّي عِمَادُ الدِّينِ إسماعيلُ قالَ: حَفِظْتُ هذيْنِ البيتيْنِ منْ والدي في النومِ وهما: مَالِي عَلَى السُّلْوانِ عَنْكَ مِعْوَلُ *** فعلَى م تَتْعَبُ في هَواكَ العَذْلُ يَزْدَادُ حُبُّكَ كلِّ يومٍ جدةً *** فكأنَّ آخِرَهُ لقَلْبِي أوَّلُ فقالَ البدرُ ابنُ جَماعةَ: هذهِ ظريفةٌ، أَرْوِي هذا عنْ وَلَدِي- يعني العِزَّ- عن ابنِ أَخِي، يعني إبراهيمَ بنَ عبدِ الرحمنِ، عنْ أخي، يعني إسماعيلَ، عنْ وَالِدِي، يعني البرهانَ إبراهيمَ في المنامِ. انتهى. وقدْ أخبَرَنِي بهما أبو الفتحِ المَراغِيُّ: ثنا المُصنِّفُ لفظاً إملاءً أنْشَدَنا أبو إسحاقَ المذكورُ كما تَقدَّمَ، ويَقْرُبُ منهُ روايَةُ الشمسِ بنِ الجَزَرِيِّ، عن ابنِهِ أبي الخيرِ، عنْ أخيهِ أبي القَاسِمِ عَلِيٍّ، عنْ أبيهما المذكورِ أوَّلاً عنْ محمودِ بنِ خليفةَ المُحدَّثِ، عن الدمياطيِّ الحافظِ، عنْ شيخِهِ يُوسُفَ بنِ خَلِيلٍ الحافظِ، فذكَرَ شيئاً. ومن ظَريفِهِ ما اجتمَعَ فيهِ روايَةُ الأبويْنِ عن الابنِ؛ كروايَةِ أمِّ رومانَ عن ابنتِها عائشةَ لحديثيْنِ، وروايَةِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عنها أيضاً لحديثيْنِ، أفادَ ذلكَ ابنُ الجَوْزِيِّ في تَلْقيحِهِ، ووَقَعَتْ روايَةُ أبي بَكْرٍ عنها في (المُستخرَجِ) لابنِ مَنْدَهْ. (أمَّا أبو بَكْرٍ) الذي وقَعَ في روايَةِ المَنْجنيقِيِّ في كتابِهِ (الأكابرِ عن الأصاغرِ)، (عن الحَمْرَاءِ) بالحاءِ المُهْملةِ، لَقَبٌ جاءَ في عِدَّةِ رواياتٍ فيها مَقالٌ، لكنْ بالتصغيرِ لَقَبٌ لأمِّ المؤمنينَ (عَائِشَةٍ) بالصرفِ للضرورةِ، وقيلَ: إنَّهُ تصغيرُ تقريبٍ؛ لأنَّ المرادَ بها البيضاءُ، فكأنَّها غيرُ كاملةِ البياضِ؛ للحديثِ المرفوعِ، (فِي الحَبَّةِ السوداءِ) وإنَّها شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ؛ (فإِنَّه)؛ أيْ: أبا بَكْرٍ هذا (لـ) هوَ (ابْنُ أَبِي عَتِيقِ) محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، كما وقَعَ التصريحُ بكونِهِ ابنَ أبي عَتِيقٍ في (صحيحِ البخاريِّ)، بلْ وفي جُلِّ الرواياتِ، واسمُهُ عبدُ اللَّهِ، وعَائِشَةُ هيَ عَمَّةُ وَالِدِهِ، (وغُلِّطَ الوَاصِفُ) لأبي بَكْرٍ هذا (بالصِّدِّيقِ). وهو شيءٌ انفرَدَ بهِ المَنْجنيقيُّ عنْ سائرِ أصحابِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ مُوسَى الكوفيِّ أحَدِ الكبارِ منْ شيوخِ البخاريِّ، وإنْ رُوِيَ هذا الخَبَرُ عنهُ بوَاسِطَةِ أبي بَكْرِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، حيثُ رَوَاهُ المَنْجَنِيقِيُّ عنْ عُبَيدِ اللَّهِ بحيثُ نَشَأَ عنْ غَلَطِهِ إدخالُهُ لذلكَ في تصنيفِهِ المشارِ إليهِ، بلْ أدخَلَهُ الخطيبُ في تصنيفِهِ في هذا البابِ، لكنْ معَ التنبيهِ على الغَلَطِ فيهِ، قالَ: وأبو عَتِيقٍ كُنْيَةُ أبيهِ محمدٌ، وهوَ معدودٌ في الصحابةِ؛ لكونِهِ وُلِدَ في عهدِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وأبوهُ وَجَدُّهُ وجَدُّ أبيهِ أبو قُحافَةَ صَحابةٌ مَشْهورونَ. انتهَى. وادَّعَى مُوسَى بنُ عُقْبَةَ انفرادَهم بذلكَ فقالَ: لا نعَلَمُ أربعةً أدْرَكوا النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلاَّ هؤلاءِ الأربعةُ وذكَرَهم، وتَبِعَهُ غيرُ واحدٍ، وكأنَّهُ أرادَ بقيدِ الذكورِ، وإلاَّ فعبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ صَحَابِيٌّ، وهوَ أسَنُّ وأشْهَرُ في الصحابةِ منْ محمدٍ، أمُّهُ أسماءُ ابنةُ أبي بكرِ بنِ أَبِي قُحافَةَ، نَعَمْ ذَكَروا أنَّ أسامةَ بنَ زَيْدٍ الحِبَّ بنَ الحِبِّ وُلِدَ لهُ في حياةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وحِينَئذٍ فهم أربعةٌ؛ إذ حَارِثَةُ وَالِدُ زَيْدٍ صحابِيٌّ، كما جزَمَ بهِ المُنْذِرِيُّ في أماليهِ على (مُخْتَصَرِ مُسْلِمٍ)، وحديثُ إسلامِهِ في مُستدرَكِ الحاكمِ، ونحوُهُ ما في (صحيحِ البخاريِّ) منْ حديثِ أسْلَمَ عنْ عُمَرَ في مَجِيءِ ابنةِ خُفافٍ، وقولُهُ: إِنِّي لأرَى أبا هذهِ وأخاها. إلى آخرِهِ؛ فإنَّهُ يَقْتَضِي أنَّ الأخَ المُبْهَمَ كانَ صَحَابِيًّا، وإذا انضَمَّ إلى قولِ ابنِ عبدِ البَرِّ في ترجمةِ خُفافِ بنِ إيماءَ بنِ رُخْصةَ، أنَّ لهُ ولأبيهِ وجَدِّهِ صُحْبَةً، صاروا أربعةً في نَسَقٍ، بلْ لا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ للابنةِ المُشارِ إليها رؤيَةٌ؛ لأنَّها ابنةُ صَحابِيٍّ، وقدْ وُصِفَتْ في زمنِ عمرَ بأنَّها ذاتُ أولادٍ، وكذا ذكَرَ الذهبيُّ تبعاً لغيرِهِ في ترجمةِ حِذْيَمٍ الحنفيِّ وَالِدِ حنيفةَ أنَّ لهُ ولابنِهِ وابنِ ابنِهِ ونَافِلَتِهِ صحبةً. ونحوُهُ قولُ ابنِ عبدِ البَرِّ في إياسِ بنِ سَلَمَةَ بنِ عَمْرِو بنِ الأكوعِ أنَّهُ مدَحَ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بشِعْرٍ، فإنَّ كُلاًّ مِنْ سَلَمَةَ ووالدِهِ وجَدِّهِ صحابِيٌّ باتفاقٍ، ومنهُ أنَّ شافعاً جَدُّ إمامِنا الشافعيِّ، هوَ وأبوهُ السائِبُ وجَدُّهُ عُبَيدٌ، وجَدُّ أبيهِ عبدُ يَزِيدَ صَحَابَةٌ، ولكنْ يُقالُ: الذي اختُصَّ بهِ بيتُ الصِّدِّيقِ كونُهم مُسَمِّينَ، فخرَجَ ابنُ أسامةَ وابنُ خُفافٍ، وكونُهم باتِّفاقٍ، فخرَجَ حِذْيَمٌ وإياسٌ وعبدُ يَزِيدَ، ففيهم خلافٌ، بلْ قالَ الذَّهَبِيُّ: لعَلَّ إِيَاساً هذا وَلَدٌ قديمٌ لسَلَمَةَ. وفي الأنبياءِ عليهم السلامُ أيضاً أربعةٌ في نَسَقٍ، وهم يُوسُفُ بنُ يَعْقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ، وقدْ جمَعَ أبو زَكَرِيَّا بنُ مَنْدَهْ جُزْءاً فيمَنْ رَوَى هوَ وأبوهُ وجَدُّهُ عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، والجِعَابِيُّ فيمَنْ رَوَى هوَ وأبوهُ فقَطْ، وهذهِ الفائدةُ إِنَّما ذُكِرَتْ هنا استطراداً، وإِلاَّ فالأليقُ بها الصحابةُ، وقدْ أشَرْتُ إليها هناكَ. ونحوُ هذا البابِ روايَةُ العَبَّاسِ وحَمْزَةَ عن ابنِ أَخِيهما النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فالعَمُّ بمنزلةِ الأبِ، هكذا ذَكَره ابنُ مَنْدَهْ في أمثلةِ البابِ، وتَوقَّفَ فيهِ البُلْقينيُّ. وأغْرَبُ منهُ قولُ ابنِ الجَوْزِيِّ في كتابِ (الوَفاءِ) لهُ أنَّ أبا طَالِبٍ رَوَى عن ابنِ أخيهِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: حَدَّثَنِي ابنُ أَخِي الأمينُ. وذكَرَ شيئاً، وكذا رَوَى مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ عن ابنِ أخيهِ الزُّبَيرِ بنِ بَكَّارٍ، وإسحاقُ بنُ حَنْبَلٍ عن ابنِ أخيهِ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ حَنْبلٍ، ومَالِكٌ عن ابنِ أخيهِ إسماعيلَ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، في أمثلةٍ كثيرةٍ، ورُبَّما يكونُ ابنُ الأخِ أكْبَرَ، فلا يكونُ مِمَّا نحنُ فيهِ. [رواية الأبناء عن الآباء] (وعَكْسُه)؛ أيْ: روايَةِ الآباءِ عن الأبناءِ، وهوَ رِوَايَةُ الأبناءِ عن الآباءِ، الذي هوَ ثاني النوعييْنِ والجادةِ، (صَنَّفَ فِيهِ) الحافظُ أبو نصرٍ عُبَيدُ اللَّهِ بنُ سعيدِ بنِ حَاتِمٍ السِّجْزِيُّ (الوَايِلِي) بكسرِ المُثنَّاةِ التحتانِيَّةِ، نسبةً لبكرِ بنِ وَايِلٍ- كتاباً، وزادَ عليهِ بعضُ المُتأخِّرِينَ أشياءَ مُهِمَّةً نفيسةً، كما قالَ ابنُ كَثِيرٍ، وكذا لأبي حَفْصِ بنِ شاهِينَ كتابُ مَنْ رَوَى عنْ أبيهِ من الصحابةِ والتابعِينَ، (وَهْوَ)؛ أيْ: روايَةُ الأبناءِ عن الآباءِ؛ كما قالَ أبو القاسمِ مَنْصورُ بنُ محمدٍ العَلَوِيُّ، (مَعَالٍ) يعني مَفَاخِرَ، (للحفيدِ) وهوَ وَلَدُ الابنِ (النَّاقِلِ) روايَةً، وكذا دِرَايَةً منْ بابِ أَوْلَى، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ، ولَفْظُهُ كما رَواهُ ابنُ الصلاحِ عنْ أبي المُظَفَّرِ بنِ السَّمْعانِيِّ لفظاً، عنْ أبي نَصْرِ عبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ الجَبَّارِ الفَامِيِّ، سَمِعْتُ أبا القَاسِمِ المذكورَ يقولُ: الإسنادُ بعضُهُ عوالٍ وبعضُهُ مَعَالٍ: وقولُ الرجُلِ: حَدَّثَنِي أبي عنْ جَدِّهِ من المَعَالِي. بلْ قالَ مَالِكٌ مِمَّا رُوِّيناهُ فيما انتقاهُ السَّلَفِيُّ من الطيورياتِ منْ حَديثِهِ في قولِ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ). قالَ: هوَ قولُ الرجُلِ: حَدَّثَنِي أبي عنْ جَدِّي. (ومِنْ أَهَمِّهِ)؛ أيْ: روايَةِ الأبناءِ عن الآباءِ، (إذا مَا أُبْهِمَا الأبُ) فلم يُسَمَّ (أو) سُمِّيَ الأبُ وأُبْهِمَ (جَدٌّ وذَاكَ) بحَسَبِ هذا (قُسِمَا قِسْمَيْنِ): أحَدُهما: ما تكونُ الروايَةُ فيهِ (عنْ أَبٍ فَقَطْ) وذلكَ بابٌ واسعٌ، وهوَ (نَحْوُ) روايَةِ (أَبِي العُشَرا) بضَمِّ العينِ المُهلمةِ وفَتْحِ الشِّينِ المعجمةِ بعدَها راءٌ معَ القصرِ للضرورةِ، الدَّارِمِيِّ (عنْ أَبِهِ) بحذفِ الياءِ على لُغةِ النقصِ، كما مَرَّ أولَ الكِتَابِ، (عَنِ النَّبِي) صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فوَالِدُ أَبِي العُشَراءِ لم يُسَمَّ في طرقِ الحديثِ، بلْ ولم يَأْتِ هوَ إلاَّ مُكَنَّياً، (واسْمُهُمَا) كما قالَ ابنُ الصلاحِ (على الشهيرِ) من الأقوالِ: (فاعْلَمْ أُسامَةُ بنُ مَالِكِ بنِ قِهْطِمِ)، فكذلكَ نَسَبَهُ ابنُ سَعْدٍ، بلْ ونقَلَهُ المَيْمونِيُّ عنْ أحمدَ وجَدِّهِ، بكسرِ القافِ فيما نقَلَهُ ابنُ الصلاحِ منْ خطِّ البيهقيِّ وغيرِهِ، وكذا الطاءُ المُهمَلَةُ بينَهما هاءٌ، وقيلَ: حاءٌ مهملةٌ بدَلَها، وآخرَهُ مِيمٌ، بلْ حَكَى فيهِ أربعَ لُغاتٍ: كسرَ القافِ والطاءِ، وفَتْحَهما وفتحَ الأولِ وكسرَ الثاني، وعَكْسُهُ كاللغاتِ في قِرْطِمٍ، وقيلَ: في اسمِهما عُطارِدُ بنُ برزٍ بتقديمِ الراءِ على الزاءِ معَ الاختلافِ أهي مفتوحةٌ أوْ ساكنةٌ؟ بلْ قيلَ: إنَّها لامٌ. وقيلَ: يَسَارٌ أوْ سِنَانٌ. كما هوَ لأبي أحمدَ الحاكِمِ بنِ بِلِزِ بنِ مَسْعودِ بنِ خوليِّ بنِ حرمةَ بنِ قَتَادَةَ، وقيلَ كما للطَّبَرانِيِّ: بِلازُ بنُ يَسَارٍ. وقالَ ابنُ حِبَّانَ: اسمُهُ عبدُ اللَّهِ. وقيلَ: عامِرٌ. (و) القسمُ (الثانِ) بحذفِ الياءِ من القِسْمَيْنِ (أنَّ يَزِيدَ فيهِ) يعني في السنَدِ (بعدَه)؛ أيْ: بعدَ ذكرِ الأبِ، (كبَهْزٍ) بمُوحَّدَةٍ مفتوحةٍ ثمَّ هاءٍ وزَاءٍ، هوَ ابنُ حَكِيمٍ (او) بالنقْلِ (عَمْرٍو) هوَ ابنُ شُعَيْبٍ (أباً) يعني لحكيمٍ أبي بَهْزٍ (أو) يَزِيدَ، (جَدَّه)؛ أيْ: جَدَّ عَمْرٍو، معَ كونِ التعبيرِ في الموضعيْنِ بقولِهِ: عنْ جَدِّهِ. غيرَ أنَّ مرجِعَ الضميرِ فيهما مُخْتَلِفٌ، ففي الأوَّلِ لبَهْزٍ وجَدِّهِ، وهوَ معاويَةُ بنُ حَيْدَةَ بنِ مُعاويَةَ القُشَيريُّ، صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ، ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ الضميرُ فيهِ لحكيمٍ؛ فإنَّ جَدَّهُ حَيْدَةَ لم يُنْقَلْ لهُ حديثٌ عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ معَ كونِهِ صَحَابِيًّا، وروايَةُ حَفيدِهِ عنهُ كما في (دلائلِ النبوَّةِ) للبيهقيِّ، وغيرُها منْ طريقِ دَاوُدَ بنِ أَبِي هندٍ، عنْ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ حَيْدَةَ بنِ مُعاوِيَةَ، أنَّهُ خرَجَ مُعتمِراً في الجاهليَّةِ فإذا هوَ بشيخٍ يَطوفُ بالبيتِ فذكَرَ قِصَّةً، وفي الثاني لشُعَيْبِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ، فجَدُّهُ هوَ عبدُ اللَّهِ الصحابِيُّ الشهيرُ، ويُرْوَى بكلٍّ مِنَ السَّنَديْنِ نسخةٌ كبيرةٌ حَسَنَةٌ، والثانيَةُ أكثرُها فِقْهِيَّاتٌ جِيادٌ وكُلٌّ من النُّسْختيْنِ مُخْتلَفٌ في الاحتجاجِ بهِ لِمَا قِيلَ مِنْ أنَّ سَماعَهما منْ ذلكَ إنَّما هوَ اليَسِيرُ، والباقي منْ صحيفةٍ وَجَدَاها، (و) لكنْ (الأكثرُ) من المُحدِّثِينَ (احْتَجُّوا بـ) حديثِ (عَمْرٍو حَمْلاً لَهُ)أيْ: لجَدِّهِ في الإطلاقِ، (على الجَدِّ الكبيرِ الأعْلَى) وهوَ الصحابيُّ دونَ ابنِهِ محمدٍ وَالِدِ شُعَيْبٍ لِمَا ظهَرَ لهم منْ إطلاقِهِ ذلكَ، فقالَ البخاريُّ: رأيتُ أحمدَ بنَ حَنْبلٍ وعَلِيَّ بنَ المَدِينِيِّ وإسحاقَ ابنَ رَاهْوَيْهِ وأبا عُبَيدٍ وعَامَّةَ أصحابِنا يَحْتجُّونَ بحديثِ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ، ما ترَكَهُ أحدٌ من المسلمينَ، قالَ البُخارِيُّ: فمَن الناسُ بعدَهم؟ زادَ في روايَةِ والحُمَيديِّ، وقالَ مُرَّةُ: اجتمَعَ عَلِيٌّ وابنُ مَعِينٍ وأحمدُ وأبو خَيْثمةَ وشُيوخٌ منْ أهلِ العِلْمِ يَتذاكَرُونَ حديثَ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، فثَبَتُوهُ وذكَرُوا أنَّهُ حُجَّةٌ، وقالَ أبو جَعْفَرٍ: أحمدُ بنُ سعيدٍ الدارميُّ، هوَ ثِقَةٌ رَوَى عنهُ الذينَ نَظَرُوا في الرجالِ مثلِ أَيُّوبَ والزُّهْرِيِّ والحَكَمِ، واحْتَجَّ أصحابُنا بحَديثِهِ، وسَمِعَ أبوهُ منْ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، وقالَ أبو بَكرٍ النَّيْسابُورِيُّ: صَحَّ سَماعُ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وسماعُ شُعَيْبٍ منْ جَدِّهِ. وقالَ يَعقوبُ بنُ شَيْبَةَ: ما رَأَيْتُ أحداً منْ أصحابِنا مِمَّن يَنْظُرُ في الحديثِ ويَنْتَقِي الرجالَ يَقولُ فيهِ شيئاً، وحديثُهُ عندَهم صَحِيحٌ، وهوَ ثِقَةٌ ثَبَتٌ، والأحاديثُ التي أنكَرُوا منْ حديثِهِ إِنَّما هيَ لقَوْمٍ ضعفاءَ رَوَوْها عنهُ، وما رَوَى عنهُ الثِّقاتُ صَحِيحٌ، قالَ: وسَمِعْتُ ابنَ المَدِينِيِّ يقولُ: قدْ سَمِعَ أبوهُ شُعَيْبٌ مِنْ جَدِّهِ عبدِ اللَّهِ، وقالَ ابنُ المَدينِيِّ: هوَ عندَنا ثِقَةٌ، وكتابُهُ صحيحٌ. وقالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ عنْ إسحاقَ ابنِ رَاهْوَيْهِ: عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ كأيُّوبَ، عنْ نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ. قالَ النَّوَوِيُّ في (شرحِ المُهَذَّبِ): وهذا التشبيهُ في نهايَةِ الجلالةِ منْ مثلِ إسحاقَ، وقدْ أخرَجَ لهُ ابنُ خُزَيمةَ في صحيحِهِ والبخاريُّ في جزءِ القِراءَةِ خلفَ الإمامِ لهُ على سَبيلِ الاحتجاجِ وآخَرُونَ، وخالَفَ آخرونَ فضَعَّفَهُ بعضُهم مُطْلقاً، وبعضُهم في خُصوصِ روايتِهِ، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ، والإطلاقُ مَحْمولٌ عليهِ، فقالَ ابنُ المَدينِيُّ عنْ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ: حَدِيثُهُ عندَنا واهٍ. وقالَ الميمونيُّ: سَمِعْتُ أحمدَ يقولُ: لهُ أشياءُ منها مَناكِيرُ، وإنَّما يُكْتَبُ حديثُهُ للاعتبارِ، فأمَّا أنْ يَكُونَ حُجَّةً فلا. وقالَ ابنُ أبي خَيْثَمَةَ عن ابنِ مَعِينٍ: ليسَ بذلكَ. وفي روايَةٍ عنهُ هوَ عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ كتابٌ أيْ: وجادةٌ، وليسَ المرادُ مُكاتبةً، قالَ: ومنْ هنا جاءَ ضَعْفُهُ. وقالَ الآجُرِّيُّ: قُلْتُ لأبي دَاوُدَ هوَ عندَكَ حُجَّةٌ. قالَ: لا، ولا نِصْفُ حُجَّةٍ، وحَكَى في (شرحِ المُهذَّبِ) أنَّ الشيخَ أبا إسحاقَ نَصَّ في كتابِهِ: (اللُّمَعِ) وغيرَهُ منْ أصحابِنا على أنَّهُ لا يَجوزُ الاحتجاجُ بهِ هكذا. قالَ: وأكْثَرَ الشيخُ من الاحتجاجِ بهِ في (المُهَذَّبِ) كأنَّهُ لَمَّا تَرَجَّحَ عندَهُ حالَ تَصْنيفِهِ، وفَصَّلَ الدَّارَقُطْنِيُّ بأنَّهُ إنْ أفْصَحَ بتسميَةِ جَدِّهِ عبدِ اللَّهِ كانَ صَحِيحاً؛ لأنَّ شُعَيباً سَمِعَ منهُ ولم يَتْرُكْ حديثَهُ أحَدٌ من الأئمَّةِ، وكذا إنْ قالَ عنْ جَدِّهِ: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؛ لأنَّ محمداً وَالِدَ شُعَيْبٍ لم يُدْرِكِ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وإِلاَّ فلا، وكذا فَصَّلَ غيرُهُ بأنَّهُ إن استوعَبَ ذِكْرَ آبائِهِ كما وقَعَ في روايَةٍ عندَ ابنِ حِبَّانَ، فيها عنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ مُحمدِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، عنْ أبيهِ، فهوَ حُجَّةٌ أوْ يَقْتَصَرُ على قولِهِ عنْ أبيهِ عنْ جَدِّهِ فلا، لكنْ قدْ قالَ العَلائِيُّ: إنَّ ما يَجِيءُ فيهِ التصريحُ براويَةِ مُحمدِ شاذٌّ نادِرٌ، لا سِيَّما وقدْ قِيلَ: إنَّهُ ماتَ في حياةِ والدِهِ وإنَّ الذي كَفَلَ شُعَيباً هوَ جَدُّهُ.
وبالجملةِ فالمُعْتمَدُ منْ هذا كُلِّهِ الأولُ، كما تَقدَّمَ، ولكنَّ الظاهرَ كما قالَ شَيْخُنا: إِنَّ شُعَيباً إنَّما سَمِعَ منْ جَدِّهِ بعضَ تلكَ الأحاديثِ، والباقي صَحِيفَةٌ، ويَشهَدُ لهُ قولُ أَبِي زُرعَةَ: رَوَى عنهُ الثقاتُ. وإنما أنكَروا عليهِ كثرةَ روايتِهِ عنْ أبيهِ عنْ جَدِّهِ، وقالوا: إنَّما سَمِعَ أحاديثَ يَسِيرَةً وأخَذَ صحيفةً كانَتْ عندَهُ فرَوَاهَا وهوَ ثِقَةٌ في نَفْسِهِ، إِنَّما يَتكَلَّمُ فيهِ بسببِ كتابٍ عندَهُ، وما أقَلَّ ما تُصِيبُ عندَهُ مِمَّا رَوَى عنْ أبيهِ عنْ جَدِّهِ من المُنْكَرِ. ونحوُهُ قولُ ابنِ مَعِينٍ: هوَ ثِقَةٌ في نفسِهِ، وما رَوَى عنْ أبيهِ عنْ جَدِّهِ لا حُجَّةَ فيهِ، فليسَ بمُتَّصِلٍ، وهوَ ضَعِيفٌ منْ قَبيلِ أنَّهُ مُرْسَلٌ، وَجَدَ شُعَيبٌ كُتُبَ جَدِّهِ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو فكانَ يَرْويها عنهُ إرسالاً، وهيَ صِحاحٌ عنْ عبدِ اللَّهِ غيرَ أنَّهُ لم يَسْمَعْها، قالَ شيخُنا: فإذا شَهِدَ لهُ ابنُ مَعِينٍ أنَّ أحاديثَهُ صِحَاحٌ غيرَ أنَّهُ لم يَسْمَعْها وصَحَّ سَماعُهُ لبعضِها، فغَايَةُ الباقي أنْ يَكُونَ وِجادةً صحيحةً، وهيَ أحَدُ وجوهِ التحَمُّلِ. وقدْ صَنَّفَ البُلقينيُّ (بَذْلَ الناقدِ بعضَ جَهْدِهِ في الاحتجاجِ بعمرِو بنِ شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جَدِّه) وجمَعَ مسلمٌ جزءاً فيما استنكَرَهُ أهلُ العلمِ منْ حديثِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، والحافِظُ عبدُ الغَنِيِّ بنُ سَعيدٍ فيمَنْ رَوَى عنهُ من التابِعِينَ، ثمَّ إنَّ هذا القسمَ الثانِيَ يَتنوَّعُ أنواعاً بالنظرِ لكثرةِ الآباءِ وقِلَّتِها، (و) قدْ (سَلْسَلَ الآبَا) بالقصرِ، أبو الفَرَجِ عبدُ الوهَّابِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحارثِ بنِ أسَدِ بنِ الليثِ بنِ سُليمانَ بنِ الأسودِ بنِ سفيانَ بنِ يزيدَ بنِ أكينةَ بنِ عبدِ اللَّهِ (التَّميميُّ) الفقيهُ الحَنبليُّ، وهوَ ـ كما قالَ ابنُ الصلاحِ ـ مِمَّن كانَتْ لهُ ببغدادَ في جامعِ المنصورِ حَلْقةٌ للوعظِ والفَتْوَى، (فعَدّْ) فيما رواهُ روايتَهُ (عنْ تِسْعَةٍ)، كلُّ واحدٍ منهم روَى عنْ أبيهِ، وذلكَ فيما رواهُ الخطيبُ، قالَ: حَدَّثَنا عبدُ الوَهَّابِ المذكورُ منْ لَفْظِهِ سَمِعْتُ أبي أبا الحسنِ عبدَ العزيزِ يَقولُ: سَمِعْتُ أبي أبا بَكْرٍ الحَارِثَ يَقولُ: سَمِعْتُ أبي أسَداً يقولُ: سَمِعْتُ أبي اللَّيْثَ يقولُ: سَمِعْتُ أبي سُلَيمانَ يقولُ: سَمِعْتُ أبي الأسودِ يقولُ: سَمِعْتُ أبي سُفْيانَ يَقولُ: سَمِعْتُ أبي يَزِيدَ يَقولُ: سَمِعْتُ أَبِي أكينةَ يَقولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، وقدْ سُئِلَ عن الحَنَّانِ المَنَّانِ، فقالَ الحَنَّانُ: هوَ الذي يُقْبِلُ على مَنْ أعْرَضَ عنهُ، والمَنَّانُ الذي يَبْدَأُ بالنوالِ قبلَ السؤالِ. (قُلْتُ): هكذا اقتصَرَ ابنُ الصلاحِ على هذا العددِ، وقالَ: إنَّهُ منْ أظرفِ ذلكَ، (و) لكن (فَوْقَ ذا وَرَدْ) فباثْنَيْ عَشَرَ فيما أخْبَرَنِي أبو المعالي بنُ الذَّهَبِيِّ، أنا أبو هُرَيْرَةَ بنُ الحافظِ، أنا البَهاءُ أبو مُحَمَّدِ بنِ عَسَاكِرَ، عنْ كريمةَ ابنةِ عبدِ الوَهَّابِ حُضُوراً وإجازةً قالَتْ: أنا مَسعودُ بنُ الحسنِ الثَّقَفِيُّ، والقاسِمُ بنُ الفضلِ الصَّيدلانِيُّ، وعبدُ الحاكِمِ بنُ ظفرٍ، ومحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ محمدٍ قالوا: أنا رِزْقُ اللَّهِ بنُ عبدِ الوَهَّابِ التَّميمِيُّ، سَمِعْتُ أبي أبا الفَرَجِ عبدَ الوَهَّابِ بهذا السَّنَدِ إلى أكينةَ قالَ: سَمِعْتُ أبي الهَيْثَمِ يقولُ: سَمِعْتُ أبي عبدَ اللَّهِ يقولُ: سَمِعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى ذِكْرٍ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ) وسَنَدُهُ كما قالَ العَلائِيُّ: غريبٌ جِدًّا. قالَ: ورِزْقُ اللَّهِ كانَ إمامَ الحنابلةِ في زمانِهِ من الكبارِ المشهورينَ، مُتقَدِّماً في عِدَّةِ عُلومٍ، ماتَ سَنَةَ ثمانٍ وثَمَانِينَ وأربعمائةٍ (488)، وأبوهُ إمامٌ مشهورٌ أيضاً ولكنَّ جَدَّهُ عبدَ العزيزِ مُتكَلَّمٌ فيهِ كثيراً على إمامتِهِ، واشتُهِرَ بوضعِ الحديثِ، وبَقِيَّةُ آبائِهِ مجهولونَ لا ذِكْرَ لهم في شيءٍ من الكتبِ أصْلاً، وقدْ خَبَطَ فيهم عبدُ العزيزِ أيضاً بالتغييرِ؛ أيْ: فزادَ في الثاني أباً لأكينةَ، وهوَ الهَيْثَمُ، وجعَلَهُ منْ روايَةِ أبيهِ عبدِ اللَّهِ وجَعَلَهُ صَحَابِيًّا. وبأربعةَ عَشَرَ في عِدَّةِ أحاديثَ، منها ما رَواهُ أبو سَعْدِ بنُ السَّمْعانِيِّ في الذيلِ قالَ: أنا أبو شُجاعٍ عُمَرُ بنُ أبي الحَسَنِ البِسْطَامِيُّ الإمامُ بقِراءَتِي وأبو بَكْرٍ محمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَاسِرٍ الجِيانِيُّ منْ لفظِهِ قَالا: حَدَّثَنا السَّيِّدُ أبو محمدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ منْ لفظِهِ ببَلْخٍ، حَدَّثَنِي سَيِّدِي والدي أبو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ سَنَةَ سِتٍّ وسِتِّينَ وأربعِمائةٍ، حَدَّثَنِي أبي أبو طَالِبٍ الحَسَنُ بنُ عُبَيدِ اللَّهِ سَنَةَ أربعٍ وثَلاثِينَ وأربعمائةٍ، حَدَّثَنِي والدي أبو عَلِيٍّ عُبَيدُ اللَّهِ بنُ محمدٍ، حَدَّثَنِي أبي محمدُ بنُ عُبَيدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أبي عُبيدُ اللَّهِ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثِني أبي عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنِي أبي الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ، حَدَّثَنِي أبي الحُسَينُ بنُ جَعْفرٍ، وهوَ أولُ مَنْ دخَلَ بَلْخاً منْ هذهِ الطائفةِ، حَدَّثَنِي أبي جَعْفَرٌ المُلَقَّبُ بالحُجَّةِ، حَدَّثَنِي أبي عُبَيدُ اللَّهِ، حَدَّثِني أبي الحُسَيْنُ الأصْغَرُ، حَدَّثَنِي أبي زَيْنُ العَابِدينَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: (لَيْسَ الخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ). وحديثَ: (المَجَالِسُ بالأمانةِ). و: (الحَرْبُ خُدْعَةٌ). و: (المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ). و: (المُسْلِمُ مِرَآةُ المُسْلِمِ). قالَ شيخُنا: ولَفْظُهُ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي وَالِدي. وهوَ اصطلاحٌ لا يُعْرَفُ في المُتقَدِّمينَ، والمُتونُ مُنْكَرَةٌ بهذا الإسنادِ؛ يعني لكونِها جاءَتْ منْ غيرِ هذهِ الطريقِ، وقدْ أخرَجَ أَوَّلَها أحمدُ وابنُ مَنِيعٍ والطَّبَرانِيُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وغيرُهم عنْ أنسٍ، ونحوُهُ قولُ ابنِ دِحْيَةَ في المولدِ: أخْبَرتْنِي خالةُ أبي أَمَةُ العَزيزِ قَالَتْ: حَدَّثَنِي جَدِّي الحَسَنُ، حَدَّثَنِي أبي مُوسَى، حَدَّثَنِي أبي عَلِيٌّ، حَدَّثَنِي أبي الحُسَيْنُ، حَدَّثَنِي أبي جَعْفَرٌ، حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيٌّ، حَدَّثَنِي أَبي مُحمدٌ، حَدَّثَنِي أبي عَلِيٌّ، حَدَّثَنِي أبي موسى، حَدَّثَنِي أبي جعفرٌ، حَدَّثَنِي أبي محمدٌ الباقِرُ، حَدَّثَنِي أبي عليٌّ، حَدَّثَنِي أبي الحُسَيْنُ، حَدَّثَنِي أبي عَليُّ بنُ أبي طَالِبٍ قالَ: (كَانَ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي ببَدْرٍ). نقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ مُغْلطايٍ. وقدْ صَنَّفَ ابنُ أبي خَيْثمةَ جزءاً فيمَنْ رَوَى عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ، وهوَ فيما أعلَمُ أولُ مُصنَّفٍ فيهِ، وكذا المِزِّيُّ، وأرسَلَ بهِ إلى الدمياطيِّ شيخِهِ؛ لكونِهِ كانَ أرسَلَ إليهِ منْ مصرَ يسألُهُ عنْ جُمَلٍ منْ ذلكَ، والعَلائِيُّ وهوَ أجمَعُ مُصنَّفٍ في ذلكَ سَمَّاهُ: (الوَشْيَ المُعَلَّمَ فيمَنْ رَوَى عنْ أبيهِ عنْ جَدِّهِ عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ) وقدْ لخَّصَهُ شيخُنا، وذكَرَ أبو الفضلِ بنُ طَاهِرٍ في آخرِ كِتابِهِ في (المُبْهماتِ) منهُ فَصْلاً كبيراً، والقُطْبُ القَسْطَلانِيُّ منهُ جملةً.
851- وصَنَّفُوا في سابِقٍ ولاحِقِ *** وهو اشتراكُ رَاوِيَيْنِ سابِقِ 852- مَوْتاً كزُهْرِيٍّ وذِي تَدَارُكِ *** كابنِ دُوَيْدٍ رَوَيَا عنْ مالِكِ 853- سَبْع ثلاثونَ وَقَرْنٍ وافِي *** أُخِّرَ كالْجُعْفِيِّ والْخَفَّافِ وهو نوعٌ ظريفٌ سَمَّاهُ كذلكَ الخطيبُ، وأمَّا ابنُ الصلاحِ فإنَّهُ قالَ: معرفةُ من اشترَكَ في الروايَةِ عنهُ راويانِ؛ مُتقَدِّمٌ ومُتأخِّرٌ، وفائِدَةُ ضَبْطِهِ الأمنُ منْ ظَنِّ سُقوطِ شيءٍ في إسنادِ المتأخِّرِ، وتَفَقُّهُ الطالبِ في معرفةِ العالي والنازلِ، والأقدمِ من الرواةِ عن الشيخِ، ومَنْ بهِ خُتِمَ حَدِيثُهُ، وتقريرُ حلاوةِ عُلُوِّ الإسنادِ في القُلُوبِ، وعلى الأخيرةِ اقتصَرَ ابنُ الصلاحِ، لكنْ قالَ ابنُ كَثِيرٍ: وقدْ أكْثَرَ المِزِّيُّ في تهذيبِهِ من التعرُّضِ لذلكَ، يعني كونَ فلانٍ آخِرَ مَنْ رَوَى عنْ فلانٍ، وهوَ مِمَّا يَتَحَلَّى بهِ كثيرٌ من المُحدِّثينَ، وليسَ في المُهمَّاتِ فيهِ، وهوَ مُتعَقَّبٌ بأولِ فَوائِدِهِ. (وصَنَّفُوا) كالخطيبِ ثمَّ الذَّهَبِيِّ (في سابقٍ ولاحقِ، وهْوَ اشتراكُ راوييْنِ سَابِقِ، مَوْتاً كزُهْرِيٍّ) وهوَ محمدُ بنُ مسلمِ بنِ شِهَابٍ، (و) لاحِقٍ (ذِي تَدارُكِ) للسابقِ؛ (كابْنِ دُوَيْدٍ)بمهملتيْنِ، مُصغَّرٌ، هوَ زَكَرِيَّا الكِنْدِيُّ، فإنَّهما (رَوَيَا) جميعاً (عنْ مَالِكِ) بنِ أنسٍ و(سَبْعَ) بسينٍ مُهْمَلَةٍ ثمَّ مُوحَّدَةٍ و(ثَلاثونَ) من السِّنِينَ، (وقَرْنٍ وَافِي)؛ أيْ: تامٍّ (أُخِّرَ) بضَمِّ أوَّلِهِ ابنُ دُوَيْدٍ بها عن الزُّهْرِيِّ؛ فإنَّهُ كانَتْ وَفاتُهُ في سنةِ نَيِّفٍ وسِتِّينَ ومائتيْنِ، والزُّهْرِيُّ ماتَ في سنةِ أربعٍ وعِشرينَ ومائةٍ، ولكنَّ التمثيلَ بابنِ دُوَيدٍ غيرُ جَيِّدٍ، فقَدْ كانَ كَذَّاباً رُمِيَ بالوضعِ، والصوابُ أنَّ آخِرَ الرواةِ عنْ مالكٍ- كما قالَهُ المِزِّيُّ- أحمدُ بنُ إسماعيلَ السَّهْمِيُّ، لكنْ لا تبلُغُ المُدَّةُ بينَهُ وبينَ الزهريِّ ذلكَ؛ فإِنَّ السَّهْمِيَّ كانتْ وَفاتُهُ في سَنَةِ تِسْعٍ وخَمْسِينَ ومائتيْنِ (259هـ)، فيَكونُ بينَهُ وبينَ الزُّهْرِيِّ مائةٌ و خمسةٌ وثلاثونَ سَنَةً، والسَّهْمِيُّ وإنْ كانَ ضَعِيفاً أيضاً فإِنَّ أبا مُصْعَبٍ شَهِدَ لهُ أنَّهَ كانَ يَحْضُرُ معَهم العَرْضَ على مالكٍ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ولقدْ حَظِيَ مالكٌ بكثيرٍ منْ هذا النوعِ. و(كالجُعْفِيِّ) بضمِّ الجيمِ ثمَّ عَيْنٍ مُهملةٍ وفاءٍ، كما سَلَفَ في آدابِ طالبِ الحديثِ، وهوَ محمدُ بنُ إسماعيلَ البُخارِيُّ، (و) أبي الحُسَيْنِ أحمدَ بنِ أبي نَصْرٍ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ عُمَرَ النيسابوريِّ الزاهِدِ (الخَفَّافِ) بفتحِ الخاءِ المعجمةِ ثمَّ فاءٍ مُشدَّدَةٍ، نِسْبَةً لعملِ الخفافِ أوْ بَيعِها، في مُجرَّدِ طولِ المُدَّةِ بينَ وفاتَيْهِما، لا في خصوصِ المُدَّةِ قبلَها؛ إذْ بينَهما مائةُ سَنَةٍ وثمانيَةٌ وثلاثونَ سَنَةً وأزيدُ؛ لأنَّ وفاةَ الجُعْفِيِّ كانتْ في شوَّالٍ سنَةَ سِتٍّ وخَمسينَ ومائتيْنِ، والخَفَّافُ في ثاني عَشَرَ شَهْرَ ربيعٍ الأوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وتسعينَ وثلاثِ مائةٍ. وقولُ المُصنِّفِ: إنَّها في سنةِ ثلاثٍ وتِسْعينَ. غَلَطٌ، معَ اشتراكِهما في الروايَةِ عنْ أبي العبَّاسِ محمدِ بنِ إسحاقَ السَّرَّاجِ، فإنَّ البخاريَّ روَى عنهُ أشياءَ في تاريخِهِ وغيرِهِ، وصَحَّ سماعُ الآخرِ منهُ، كما هوَ بخَطِّ أبيهِ أبي نَصْرٍ، حتَّى صارَ وَاحِدَ عَصْرِهِ في عُلُوِّ الإسنادِ حَسْبَما ذكَرَهُ الحاكِمُ في (تاريخِ نَيْسابورَ) قالَ: وكانَ مُجابَ الدعوةِ. انتهَى. وقدْ وَقَعَتْ لنا جُمْلةٌ مِنْ عَوالِيهِ. وكأبي عَمْرٍو أحمدَ بنِ المبارَكِ المُستمليِّ الحافظِ المشهورِ الراوي عنْ قُتَيبةَ وطبقتِهِ، والحافظِ أبي نُعَيْمٍ الأصبهانيِّ، بينَ وفاتَيْهما مائةٌ وسِتَّةٌ وأربعونَ سَنَةً، معَ اشتراكِهما في الروايَةِ عنْ أبي العَبَّاسِ محمدِ بنِ يَعْقوبَ الأصمِّ، لكنْ ثَانِيهما بالإجازةِ المكاتبةِ، حتَّى كانَ خَاتمةَ أصحابِهِ على وجهِ الأرضِ، وكمحمدِ بنِ طاهرٍ والحافظِ ومحمدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عبدِ السلامِ السَّفاقِسِيِّ بينَ مَوْتَيهما مائةٌ وسبْعَةٌ وأرْبَعونَ سَنَةً معَ اشتراكِهما في الروايَةِ عن السَّلَفِيِّ، الأولُ بالسماعِ، والثاني بالحضورِ، قالَ الذَّهَبِيُّ: وهذا شيءٌ لم يَتَّفِقْ لأحدٍ أبداً فيما عَلِمْتَ في السابقِ واللاحقِ. كذا قالَ: هوَ مردودٌ بأبي عَلِيٍّ البردانيِّ أحدِ شيوخِ السَّلَفِيِّ، وأبي القاسمِ عبدِ الرحمنِ بنِ مَكِّيٍّ الطَّرَابُلُسِيِّ سِبْطِ السَّلَفِيِّ، فبينَ وَفاتَيْهما مائةٌ وخَمْسونَ سَنَةً؛ لأنَّ وفاةَ البردانيِّ على رأسِ الخمسِ مائةٍ، والآخرَ سَنَةَ خمسينَ وسِتِّ مائةٍ، معَ اشتراكِهما في الروايَةِ عن الحافظِ السَّلَفِيِّ، قالَ شيخُنا: وهذا أكثرُ ما حصَلَ الوقوفُ عليهِ في أمثلةِ ذلكَ من المُدَّةِ بينَ الوفاتَيْنِ. كذا قالَ، وهوَ محمولٌ على السَّماعِ، وإِلاَّ فقدْ تَأخَّرَ بعدَ السِّبْطِ جماعةٌ، منهم محمدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عبدِ السلامِ أبو بَكْرٍ السَّفاقِسِيُّ، ويُعْرَفُ بابنِ المَقْدِسيَّةِ؛ لكونِ أُمِّهِ أخْتَ الحافظِ بنِ المُفضَّلِ المَقدِسِيِّ، ماتَ في سنةِ أربعٍ وخَمْسِينَ، وهوَ مِمَّن يَرْوِي عن السَّلَفِيِّ- حُضوراً- الحديثَ المُسَلْسَلَ بالأوليَّةِ فقطْ، وتأخَّرَ بعدَهُ قليلاً جماعةٌ، لهم إجازةٌ مِن السَّلَفِيِّ؛ كابنِ خَطِيبِ القرافةِ وغَيْرِهِ، على أنَّ وفاةَ البردانيِّ كانتْ في جُمادَى، كما قالَهُ ابنُ السَّمْعانِيِّ وتَبِعَهُ ابنُ الأثيرِ، أوْ شَوَّالٍ كما جزَمَ بهِ الذَّهَبِيُّ سنَةَ ثَمانٍ وتِسْعِينَ وأربعِ مائةٍ، وحينَئذٍ فالمُدَّةُ أزيدُ مِمَّا ذكَرَهُ شيخُنا بنحوِ سنتيْن. و غَالِبُ ما يَقَعُ منْ ذلكَ أنَّ المسموعَ منهُ يتأخَّرُ زماناً بعدَ موتِ أحدِ الراوييْنِ الذي سَمِعَ منهُ عندَ تَقَدُّمِ سِنِّهِ حالَ كونِ المستمعِ في ابتداءِ أمرِهِ يَسمَعُ منهُ عندَ تَقدُّمِ سِنِّهِ بعضَ الأحداثِ، ويَعِيشُ بعدَ السماعِ منهُ دَهْراً طَوِيلاً، فيَحصُلُ منْ مَجموعِ ذلكَ نحوُ هذهِ المُدَّةِ، ثمَّ إنَّهُ لأجلِ اختلافِ المُدَدِ بينَ الراوييْنِ بالنظَرِ لِمَا لذلكَ من الأمثلةِ لم يَحُدَّهُ ابنُ الصلاحِ وأتباعُهُ بقَدْرٍ مُعَيَّنٍ، بلْ قالَ: مَن اشترَكَ في الروايَةِ عنهُ راويانِ؛ مُتقَدِّمٌ ومتأخِّرٌ، وتَبايَنَ وقتُ وَفَاتَيْهما تَبايُناً شديداً يحصُلُ بينَهما أمَدٌ بعيدٌ، وإنْ كانَ المُتأخِّرُ منهما غيرَ معدودٍ منْ مُعاصِرِي الأولِ. وقدْ حَدَّدَهُ الخَطِيبُ فيما نُقِلَ عنْ شيخِنا بخَمْسِينَ أوْ ثلاثِينَ سَنَةً على اختلافِ الناقِلِينَ عنهُ، قالَ شيخُنا مِمَّا هوَ مُؤَيِّدٌ للنقلِ الأوَّلِ: وكأنَّ أعمارَ هذهِ الأُمَّةِ لَمَّا كانتْ بينَ السِّتِّينَ والسَّبْعِينَ كانَ الزائدُ على المُقَدَّرِ هنا يقَعُ بعدَهُ الطَّلَبُ، فكأنَّ المتأخِّرَ بهذا القَدْرِ تأخَّرَ بقَرْنٍ.
ومنْ طَريفِ ما يدخُلُ في هذا النوعِ ما رُوِّيناهُ عنْ إبراهيمَ بنِ طَالِبٍ أنَّهُ قالَ: سَمِعْتُ عبدَ الرحمنِ بنِ بَشْرِ بنِ الحَكَمِ يقولُ: حَمَلنِي أبي على عاتقِهِ في مَجْلِسِ سُفْيانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فقالَ: يا معشرَ أصحابِ الحديثِ: أنا بِشْرُ بنُ الحَكَمِ بنِ حَبِيبٍ، سَمِعَ أبي الحَكَمُ منْ سُفْيانَ، وقدْ سَمِعْتُ أنا منهُ، وحَدَّثْتُ عنهُ بخُراسانَ، وهذا ابني عبدُ الرحمنِ قَدْ سَمِعَ منهُ. ونحوُهُ أنَّ القَاضِيَ جلالَ الدينِ البُلْقينيَّ كتَبَ عنْ شيخِنا بعضَ تصانيفِهِ وقابَلَهُ معَهُ، وتأخَّرَ شَيخُنا حتَّى أخَذَ عنهُ حَفِيدَا القَاضِي وأَبُوهُما، بلْ ووَلَدُ كلٍّ من الحفيديْنِ، وكذا اتَّفَقَ أنَّ أبا العبَّاسِ الأصَمَّ صاحِبَ الربيعِ سَمِعَ منهُ الحَسَنُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مَنْصورٍ كتابَ (الرِّسالةِ)، ثمَّ سَمِعَهُ منهُ ابنُهُ أبو الحَسَنِ، ثمَّ سَمِعَهُ منهُ أبو نَصْرٍ ابنُ أبي الحَسَنِ، ثمَّ سَمِعَهُ منهُ عُمَرُ بنُ أَبي نَصْرٍ، و يُوصَفُ مَنْ يَتَّفِقُ لهُ ذلكَ بمُلْحَقِ أبناءِ الأحفادِ بالأجدادِ، وهذا غايَةُ ما يكونُ. ويدخُلُ في هذا البابِ نوعٌ مُسْتغَرَبٌ يَتعَلَّقُ بتعَدُّدِ الأنسابِ، صَنَّفَ فيهِ عبدُ الغَنيِّ بنُ سعيدٍ، فذكرَ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ مَرْوانَ بينَهُ وبينَ فِهْرِ بنِ مَالِكٍ جماعِ قريشٍ ثلاثةَ عَشَرَ أباً، وأبو بَكْرٍ محمدُ بنُ الحارثِ بنِ أبيضَ بنِ أسْوَدَ بنِ نَافِعٍ الفِهْرِيُّ بينَهُ وبينَ فِهْرٍ ثلاثةَ عَشَرَ أباً، وماتَ عُمَرُ سَنَةَ إحْدَى ومائةٍ، وماتَ أبو بَكرٍ سَنَةَ ثمانٍ وأربعينَ وثلاثِ مائةٍ، فبينَهما في الوفاةِ مائتانِ وسَبْعٌ وأربعونَ سَنَةً، وعبدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيِّ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافٍ في التعَدُّدِ مثلُ يَزِيدَ بنِ مُعاويَةَ بنِ أَبِي سُفْيانَ بنِ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عبدِ شَمْسِ بنِ عبدِ مَنافٍ، وبينَهما في الوفاةِ مائةٌ وبِضْعَةٌ وثلاثونَ سَنَةً.
854- ومُسلِمٌ صَنَّفَ في الوُحدانِ *** مَنْ عنهُ راوٍ واحِدٌ لا ثانِي 855- كعامِرِ بنِ شَهْرٍ أوْ كوَهْبِ *** هو ابنُ خَنْبَشٍ وعنهُ الشَّعْبِي 865- وغُلِّطَ الحاكِمُ حيثُ زَعَمَا *** بأنَّ هذا النوعَ ليسَ فيهمَا 857- ففي الصحيحِ أَخْرَجَا الْمُسَيَّبَا *** وأَخْرَجَ الْجُعفِيُّ لابنِ تَغْلِبَا (مَنْ لَمْ يَرْوِ عنه) من الصحابةِ أو التابعِينَ فمَنْ بعدَهم (إِلاَّ رَاوٍ واحِدٌ)، (ومُسلِمٌ) صاحِبُ (الصحيحِ) (صَنَّفَ في) المنفرداتِ و(الوُحدانِ) من النِّساءِ والرجالِ مِمَّا أصَّلَ ابنُ طاهِرٍ بهِ عندِي، وعليهِ خَطُّ العلاءِ مُغْلطايٍ، وقالَ: إنَّ لهُ عليهش زَوَائِدَ سيُفْرِدُها، وهوَ (مَنْ عنه)؛ أي: الراوي، انفرَدَ بالروايَةِ (رَاوٍ واحِدٌ لا ثانِي) لهُ، وأمثلتُهُ إمَّا (كعامِرِ بنِ شَهْرٍ) الهَمْدانيِّ، (أو) بالنقل (كوَهْبِ هوَ ابنُ خَنْبَشٍ) بمعجمةٍ ثمَّ نونٍ ثمَّ مُوحَّدَةٍ ثمَّ مُعْجمةٍ- وَزْنُ جَعْفَرٍ- الطائيِّ، الذي لكُلِّ واحدٍ منهما صحبةٌ وعِدادُهُ في أهلِ الكوفةِ، (وعنه)؛ أيْ: عنْ كلِّ واحدٍ منهما تَفرَّدَ بالروايَةِ عَامِرُ بنُ شَرَاحِيلَ (الشَّعْبِي) بفتحِ المعجمةِ، فيما ذكَرَهُ مسلمٌ وغيرُهُ، ولأوَّلِهما ذِكْرٌ في السيرةِ، فقدْ ذكَرَ سيفُ بنُ عُمَرَ التَّميميُّ في (الفتوحِ) عنْ طَلْحَةَ الأعلمِ، عنْ عِكْرمةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّهُ أوَّلُ من اعتَرَضَ في ناحيتِهِ على الأسودِ العَنْسِيِّ لَمَّا ادَّعَى النبوَّةَ وكابَرَهُ: وكانَ أحَدَ عُمَّالِ النبيِّ صَلَّي اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ على اليَمَنِ، وأمَّا ثانيهما فتسميتُهُ بوَهْبٍ هيَ الأكثرُ، و وقَعَ في روايَةٍ لابنِ مَاجَهْ تَسميتُهُ هَرَماً، وكذا ذكَرَهُ الحاكمُ وأبو نُعَيْمٍ في عُلُومِهما، وخَطَّأَ ذلكَ ابنُ الصلاحِ تَبَعاً للخطيبِ، وكذا نصَّ أبو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وغيرُهُ على أنَّ ذلكَ غَلَطٌ، وقالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهِمَ فيهِ دَاودُ بنُ يَزِيدَ الأَوْدِيُّ عن الشَّعْبِيِّ، وإنَّما هوَ وَهْبٌ، كذلكَ رَواهُ الحفاظُ عن الشَّعْبِيِّ، قُلْتُ: مِمَّن رواهُ كذلكَ بيانٌ وفراسٌ وجَابِرٌ، وهوَ المحفوظُ المشهورُ، والأوَّلانِ أوثَقُ منْ داوُدَ؛ ولذا قالَ المِزِّيُّ: مَنْ قالَ: وَهْبٌ أكْثَرُ وأحْفَظُ. (وغُلِّطَ الحاكِمُ) أبو عبدِ اللَّهِ صَاحِبُ (المُستدرَكِ) وغيرُهُ منْ غيرِ واحدٍ (حَيْثُ زَعَمَا) في المدخلِ إلى كتابِهِ (الإكليلِ)، وتَبِعَهُ صاحبُهُ في السُّنَنِ وغَيْرِها (بأنَّ)؛ أيْ: أنَّ (هذا النوعَ ليسَ فيهما)؛ أيْ: ليسَ في الصحيحيْنِ التخريجُ عنْ أحدٍ من الصحابةِ فمَنْ بعدَهم مِمَّن لم يَرْوِ عنهُ إلاَّ واحدٌ، ومِمَّن غَلَّطَهُ ابنُ طَاهِرٍ والحَازِمِيُّ وابنُ الجَوْزِيُّ وغيرُهم (ففي الصحيحِ) للبُخاريِّ ومسلمٍ (أخْرَجَا المُسَيَّبَا) بضمِّ الميمِ وفتحِ المهملةِ ثمَّ تَحْتانِيَّةٍ مفتوحةٍ أوْ مكسورةٍ، كما ضَبَطْتُهُ في معرفةِ الصحابةِ، صَحَابِيُّ حَديثِ وَفَاةِ أبي طالِبٍ؛ إذ أورداهُ منْ جِهَتِهِ، وهوَ ابنُ حزنٍ الصَّحَابِيُّ أيضاً ابنُ وَهْبٍ القُرَشِيِّ، معَ أنَّهُ لم يَرْو عنهُ سِوَى ابنِهِ سعيدٍ، وعَدَّهُ مسلمٌ وأبو الفتحِ الأزديُّ فيمَنْ لم يَرْوِ عنهُ إِلاَّ واحدٌ.
(وأخْرَجَ الجُعْفِيُّ) بضَمِّ الجيمِ- كما مَضَى قريباً- وهوَ البخاريُّ وحْدَهُ (لابنِ تَغْلِبَا) بفتحِ المُثنَّاةِ الفوقانيَّةِ ثمَّ غَيْنٍ مُعْجمَةٍ ساكنةٍ بعدَها لامٌ مَكْسورةٌ، ثمَّ مُوحَّدَةٌ مَفْتوحةٌ، هوَ عَمْرٌو، صَحَابِيُّ حديثِ: (إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أحَبُّ إِلَيَّ). معَ أنَّهُ لم يَرْوِ عنهُ سِوَى الحسنِ البصريِّ، فيما قالَهُ مسلمٌ والحاكِمُ وغيرُهما، وكذا لم يذكُرِ البخاريُّ لهُ رَاوِياً غيرَهُ، ولكنْ قدْ ذكَرَ ابنُ أبي حَاتِمٍ في الجَرحِ والتعديلِ، ثمَّ ابنُ عَبدِ البرِّ أنَّ الحكَمَ بنَ الأعرجِ روَى عنهُ أيضاً، وحينَئذٍ فليسَ منْ أمثلةِ هذا النوعِ، وقد اعتذَرَ المُؤَلِّفُ في اتِّباعِهِ لمَنْ ذكَرَهُ بأنَّهُ لم يَرْوِ روايتَهُ عن الحكَمِ في شيءٍ منْ طرقِ أحاديثِ عَمرٍو. وعلى كلِّ حالٍ فقدْ أخرَجَ البخاريُّ لمِرْداسِ بنِ مَالِكٍ الأسْلَمِيِّ الصحابيِّ، وهوَ أيضاً لم يَرْوِ عنهُ سِوَى قيسِ بنِ أبي حَازِمٍ، كما جزَمَ بهِ مسلمٌ و الأزديُّ وجماعةٌ، ولزاهِرِ بنِ الأسودِ الأسلميِّ الصحابيِّ معَ تفرُّدِ ابنِهِ مجزاةٌ عنهُ، كما قالَهُ مسلمٌ وغيرُهُ: ومسلمٌ لطارقٍ الأشْجَعِيِّ الصحابيِّ معَ تفرُّدِ ابنِهِ أبي مالِكٍ سَعْدٍ عنهُ، كما قالَهُ مسلمٌ أيضاً في أمثلةٍ من الصحابةِ فمَنْ بعدَهم. ذكَرَ ابنُ الصلاحِ منها ما تَعَقَّبَهُ العلاءُ مُغْلطايٌ وغيرُهُ في كثيرٍ منهُ، ونَبَّهُ عليهِ المُصَنِّفُ في تَقْيِيدِهِ، معَ قولِ ابنِ الصلاحِ: واعلَمْ أنَّهُ قَدْ يُوجَدُ في بعضِ مَنْ ذَكَرْنا تَفَرُّدَ راوٍ واحدٍ عنهُ خلافٌ في تَفَرُّدِهِ، بلْ قالَ عَقِبَ ما نقَلَهُ عن الحاكمِ منْ ذلكَ: وأخْشَى أنْ يَكُونَ في تنزيلِهِ بعضُ مَنْ ذكَرَهُ بالمنزلةِ التي جعَلَهُ منها، مُعتمِداً على الحسبانِ والتوَهُّمِ، وقَدَّمْتُ منها في المجهولِ مِمَّا هوَ في الصحيحيْنِ وغيرِهما، ولا انتقادَ فيهِ جملةً، وبَيَّنْتُ هناكَ منْ كلامِ الحاكمِ نَفسِهِ ما يَقْتَضِي تخصيصَ مَقالِهِ بغيرِ الصحابيِّ، وأنَّ شَيخَنا قالَ: إنَّهُ ليسَ في الكتابيْنِ حديثٌ أصَّلَ لمَنْ بعدَهم منْ روايَةِ مَنْ ليسَ لهُ إِلاَّ راوٍ وَاحِدٌ فقَطْ، فرَاجِعْهُ فيهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَزُولُ نسبةُ الحاكمِ إلى الغَلَطِ.
858- واعْنَ بأنْ تَعْرِفَ ما يَلْتَبِسُ *** مِنْ خَلَّةٍ يُعْنَى بها الْمُدَلِّسُ 859- مِنْ نَعْتِ راوٍ بنُعوتٍ نَحْوِ مَا *** فُعِلَ في الكلبِيِّ حتَّى أُبْهِمَا 860- مُحَمَّدُ بنُ السائِبِ العَلاَّمَهْ *** سَمَّاهُ حَمَّاداً أبو أُسامَهْ 861- وبِأَبِي النَّضْرِ بنِ إسحاقَ ذُكِرْ *** وبأبِي سعيدٍ الْعَوْفِي شُهِرْ (مَنْ ذُكِرَ) من الرواةِ (بنُعوتٍ مُتعدِّدةٍ)، وهوَ نوعٌ مُهِمٌّ وفَنٌّ ـ كما قالَ ابنُ الصلاحِ- عَوِيصٌ، بمُهملتيْنِ أوَّلَهُ وآخرَهُ، كرَغِيفٍ؛ أيْ: صَعْبُ الاستخراجِ، والحاجَةُ إليهِ حَاقَّةٌ، وفائدةُ ضَبْطِهِ الأمنُ مِنْ تَوَهُّمِ الواحدِ اثنيْنِ فأكثرَ. واشتباهُ الضعيفِ بالثِّقةِ وعكسِهِ، (واعْنَ)؛ أي: اجْعَلْ أيُّها الطالبُ منْ عِنايتِكَ الاهمتامَ (بأنْ تَعْرِفَ ما يَلْتَبِسُ) الأمرُ فيهِ كثيراً، لا سِيَّما على غيرِ الماهرِ اليَقِظِ، (مِنْ خَلَّةٍ) بفتحش المعجمةِ وتشديدِ اللامِ؛ أيْ: خَصْلةٍ، (يُعْنَى) بضَمِّ أوَّلِهِ وقدْ يُفْتَحُ؛ أيْ: يَهْتَمُّ ويَشْتغِلُ (بها المُدَلِّسُ) من الرواةِ؛ أيْ: كثيراً، وإلاَّ فقدْ فعَلَهُ الخطيبُ بلْ والبخاريُّ وغيرُهما مِمَّن لم يُوصَفْ بتدليسٍ، ويُشِيرُ إليهِ قولُ ابنِ الصلاحِ: فإنَّ أكثرَ ذلكَ إنَّما نَشَأَ منْ تَدليسِهم، وكذا قالَ ابنُ كثيرٍ: وأكثرُ ما يقَعُ ذلكَ من المُدلِّسِينَ، (مِنْ نَعْتٍ رَاوٍ)
واحدٍ (بنُعوتٍ) مُتعَدِّدَةٍ من الأسماءِ أو الكُنَى أو الألقابِ أو الأنسابِ ونحوِ ذلكَ، حيثُ يَكونُ ذاكَ الراوي ضَعِيفاً أوْ صَغِيرَ السنِّ، أو الفاعِلُ لهُ مُقِلاًّ من الشيوخِ، أوْ قصداً لتمَرُّنِ الطالبِ بالنظَرِ في الرواةِ وتمييزِهم إنْ كانَ مُكْثِراً، وأشباهُ ذلكَ مِمَّا تَقَدَّمَ في قِسْمِ تدليسِ الشيوخِ من التدليسِ. ثم إنَّهُ تارةً يكونُ مِنْ راوٍ واحدٍ بأنْ تَتعَدَّدَ الرواياتُ منهُ عنْ ذاكَ الراوي بأنحاءَ مختلفةٍ أوْ مِنْ جماعةٍ يَعْرِفُ كلُّ واحدٍ منهم الرَّاوِيَ بغيرِ ما عَرَفَهُ الآخَرُ بهِ، ولعبدِ الغَنِيِّ بنِ سعيدٍ الأزديِّ المِصريِّ الحافظِ في ذلكَ (إيضاحُ الإشكالِ)، وكذا للخطيبِ فيهِ (المُوَضِّحُ لأوهامِ الجَمْعِ والتفريقِ)، بدَأَ فيهِ بما وقَعَ لأستاذِ الصنعةِ البخاريِّ من الوَهْمِ في ذلكَ، وصَنَّفَ فيهِ الصوريُّ أيضاً، وأمثلتُهُ كثيرةٌ، ففي الضُّعَفاءِ (نَحْوِ مَا فُعِلَ) منْ غيرِ واحدٍ (في الكَلْبِيِّ) المنسوبِ لكلبِ بنِ وبرةَ، (حَتَّى أُبْهِمَا) الأمرُ فيهِ على كثيرِينَ منْ عُدولِهم في الكَلْبِيِّ، (محمدُ بنُ السَّائِبِ) بنُ بِشْرٍ الكُوفِيُّ (العَلاَّمَهْ)؛ كما قالَ ابنُ سَعْدٍ في أنسابِ العَرَبِ وأحاديثِهم والتفسيرِ والذي اتَّفَقَ أهلُ النقْلِ على ضَعْفِهِ، واتَّهَمَهُ غيرُ واحدٍ بالكَذِبِ والوَضْعِ؛ حيثُ سَمَّاهُ (حَمَّاداً) بدَلَ مُحمدٍ (أبو أُسامَهْ) حَمَّادُ بنُ أُسامةَ؛ إذ رَوَى عنهُ عنْ إسحاقَ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ الحارثِ، عن ابنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: (زَكَاةُ كُلِّ مِسْكٍ دِبَاغُهُ). ولم يَتَنَّبْهُ حمزةُ بنُ محمدٍ أبو القاسِمِ الكِنَانيُّ الحافظُ لهُ؛ فإنَّهُ وَثَّقَ حَمَّادَ بنَ السائبِ، وذلكَ لا يكونُ إِلاَّ عنْ غَفْلَةٍ عنْ أنَّهُ محمدُ بنُ السائبِ؛ لاشتهارِهِ بالضعْفِ، ودُونَهُ ما وقَعَ للنسائيِّ في الكُنَى في الحديثِ المذكورِ أسْقَطَ " عَنْ " بينَ أبي أُسامةَ وحَمَّادٍ؛ فصارَ حَمَّادٌ اسْمَ أبي أسامةَ، كما نَبَّهَ على ذلكَ الحافِظُ عبدُ الغنيِّ المذكورُ، وقالَ: إنَّهُ سأَلَ شيخَهُ الدارَقُطْنِيَّ عنْ حَمَّادٍ الواقعِ في هذا الحديثِ، فقالَ: إنَّهُ الكلبيُّ، إِلاَّ أنَّ أبا أسامةَ كانَ يُسَمِّيهِ حَمَّاداً. قالَ عبدُ الغَنِيِّ: ويدُلُّ لشيخِنا أنَّ عِيسَى بنَ يُونُسَ- يعني السَّبِيعِيَّ الكوفيَّ- رَوَى الحديثَ المشارَ إليهِ عن الكلبيِّ مُصرِّحاً بهِ عنْ غيرِ تَغْطيَةٍ. انتهَى. والظَّاهِرُ أنَّهُ لَقَبٌ لهُ اختُصَّ بلديهِ أبو أُسامةَ بمعرفتِهِ؛ لأنَّهُ معَ جَلالَتِهِ لا يُظَنُّ بهِ ابتكارُ ذلكَ، وإنْ وُصِفَ بالتدليسِ فقدْ كانَ يُبَيِّنُ تَدْلِيسَهُ. (وبَأَبِي النَّضْرِ) بنونٍ وضادٍ معجمةٍ، (ابنِ إِسْحاقَ) محمدٍ، صاحبِ (المَغازِي) (ذُكِرْ) الكَلْبِيُّ في روايتِهِ عنهُ، ولَكِنَّها كُنْيَةٌ شَهِيرَةٌ لابنِ السائبِ معَ كونِ ابنِ إسحاقَ رَوَى عنهُ مَرَّةً أخْرَى فسَمَّاهُ؛ ولذا قالَ الخَطِيبُ: وهذا القولُ- يعني في كنيتِهِ أبا النضْرِ- صحيحٌ، ثمَّ أوَرَدَ الحديثَ المرويَّ كذلكَ، وهوَ منْ روايَةِ ابنِ إسحاقَ، عنْ أبي النضْرِ، عنْ بَاذَانَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عنْ تَميمٍ الداريِّ في هذهِ الآيَةِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)، وقِصَّةِ جامِ الفِضَّةِ. (وبأبي سَعِيدٍ) عَطِيَّةَ بنِ سعدِ بنِ جُنَادَةَ (العَوْفِي)، نسبةً لعوفِ بنِ سعدِ بنِ ذُبْيانَ (شُهِرْ) الكلبيُّ بما أخَذَهُ عنهُ من التفسيرِ، معَ أنَّها ليسَتْ كُنْيَةً لهُ، حتَّى إنَّ الخطيبَ رَوَى منْ طريقِ الثوريِّ أنَّهُ سَمِعَ الكلبيَّ نفسَهُ يقولُ: كَنَّانِي عَطِيَّةُ أبا سَعِيدٍ. وكذا قالَ أبو خَالِدٍ الأحمرُ قالَ لِيَ الكلبيُّ: قالَ لي عَطِيَّةُ: كَنَّيْتُكَ بأبي سعيدٍ، فأنَا أقولُ: ثَنَا أبو سَعِيدٍ. قالَ الخطيبُ: وإنَّما فعل ذلكَ ليُوهِمَ الناسَ أنَّهُ أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ. ونحوُهُ قولُ ابنِ حِبَّانَ: سَمِعَ عَطِيَّةُ منْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أحاديثَ، فَلَمَّا ماتَ جعَلَ يُجالِسُ الكلبيَّ ويَحْضُرُ قِصصَهُ، وكنَّاهُ أبا سَعِيدٍ، فإذا قالَ الكلبيُّ: قالَ رسولُ اللَّهِ كذا. يَحْفُظُهُ ويرويهِ عنهُ، فإذا قِيلَ لهُ: مَنْ حَدَّثَكَ بهذا؟ يقولُ: أبو سَعيدٍ. فيَتَوَهَّمُونَ أنَّهُ يُرِيدُ أبَا سَعيدٍ الخدريَّ، وإنَّما أرادَ الكلبيَّ؛ ولذا قالَ أحمدُ: كانَ هُشَيمٌ يُضَعِّفُ عطيَّةَ، بلْ وضَعَّفَهُ غيرُهُ. وكَنَّى الكلبيَّ القاسِمُ بنُ الوليدِ الهَمْدانيُّ بابنِ لهُ اسمُهُ هشامٍ، فقالَ فيما رَواهُ الخطيبُ بسَنَدِهِ إلى القاسمِ، عنْ أبي هِشَامٍ، عنْ أبي صَالِحٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً) الحديثَ. ثمَّ نقَلَ الخَطِيبُ عن ابنِ أَبِي حَاتِمٍ أنَّهُ سَأَلَ أباهُ عنْ هذا الحديثِ، فقالَ: أبو هِشَامٍ هوَ مُحَمَّدُ بنُ السائبِ الكَلْبيُّ، وإنَّما كانتْ كُنْيتُهُ أبا النَّضْرِ، ولكنْ كانَ لهُ ابنٌ يقالُ لَهُ: هشامٌ. صَاحِبُ نحوٍ وعربيَّةٍ، فكَنَّاهُ القاسِمُ بهِ. قالَ الخطيبُ: وهوَ محمدُ بنُ السائبِ بنِ بِشْرٍ الذي رَوَى عنهُ ابنُ إسحاقَ. يعني كما تَقدَّمَ، وإنْ فرَّقَ البخاريُّ بينَهُ وبينَ الكلبيِّ؛ فإنَّهُ واحدٌ، بَيَّنَ نَسَبَهُ ابنُ سَعْدٍ وخَلِيفةُ بنُ خَيَّاطٍ. وأشَدُّ منْ هذا الصنيعِ: أنَّ محمدَ بنَ سَعيدِ بنِ حَسَّانَ بنِ قَيْسٍ الأسَدِيَّ المصلوبَ المعروفَ بالكَذِبِ والوَضْعِ أيضاً يَقولُ فيهِ يَحْيَى بنُ سعيدٍ الأُمَويُّ: محمدُ بنُ سعيدِ بنِ حَسَّانَ، ومَرْوَانُ بنُ مُعاويَةَ: مَرَّةً محمدُ بنُ حَسَّانَ، ومَرَّةً مُحمدُ بنُ أبي قَيْسٍ، ومَرَّةً محمدُ ابنِ أبي زَيْنَبَ، ومَرَّةً محمدُ بنُ زَكَرِيَّا، ومرَّةً محمدُ بنُ أبي الحَسَنِ، ونَسَبَهُ المُحارِبِيُّ إلى ولاءِ بني هاشِمٍ، وقالَ فيهِ سعيدُ بنُ أبي هِلالٍ: محمدُ بنُ سعيدٍ الأسَدِيُّ، ويقولونَ فيهِ أيضاً: محمدُ بنُ حَسَّانَ الطَّبَرِيُّ وأبو عَبْدِ الرحمنِ الشاميُّ وأبو قَيْسٍ المُلائيُّ وأبو قَيْسٍ الدِّمَشْقِيُّ وأبو عبدِ اللَّهِ الشاميُّ. ورُبَّما قالوا: عبدُ اللَّهِ وعبدُ الرحمنِ وعبدُ الكريمِ، ونحوُها على معنَى التعبيدِ للَّهِ، ويَنْسُبونَهُ أيضاً محمدُ بنُ سعيدِ بنِ عبدِ العزيزِ، ومحمدُ بنُ أبي عُتْبَةَ، ومحمدُ بنُ أَبِي حَسَّانَ، ومحمدُ بنُ أبي سَهْلٍ، ومحمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ، ومحمدٌ الطَّبَرِيُّ ومحمدٌ الأُرْدُنِّيُّ ومحمدٌ المُرْتَضَى: ويُقالُ: إنَّهُ عبدُ الرحمنِ بنُ أبي شُمَيلةَ. ولا يَثْبُتُ، بلْ قالَ ابنُ عقدةَ: سَمِعْتُ أبا طَالِبٍ عبدَ اللَّهِ بنَ أحمدَ بنِ سَوادَةَ يقولُ: قَلَبَ أهلُ الشامِ اسمَهُ على مائةِ اسمٍ، كذا وكذا، وقدْ جَمَعْتُها في كتابٍ. ونحوُهُ قولُ العُقَيْلِيِّ: وبَلَغَنِي عنْ بَعْضِ أصحابِ الحديثِ أنَّهُ قالَ: يُقْلَبُ اسمُهُ على نحوِ مائةِ اسْمٍ. قالَ: وما أبعدَ أنْ يَكُونَ كما قالَ. وكذا قالَ عبدُ الغَنِيِّ: ومنْ أمثلتِهِ إبراهيمُ بنُ أبي يَحْيَى شيخُ الشافعيِّ، هوَ إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ أبي يَحْيَى، واسمُهُ سَمْعانُ الأسلميُّ مَوْلاهم، قالَ فيهِ ابنُ جُرَيجٍ: أنا إبراهيمُ بنُ أبي يَحْيَى فنسَبَهُ لجَدِّهِ. وهوَ مشهورٌ بذلكَ، وكذلكَ قالَ فيهِ جَمعٌ، منهم يَحْيَى بنُ آدمَ مِمَّن رَوَى عنهُ، وقالَ ابنُ جُرَيجٍ مَرَّةً: أنا إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ أبي عَطَاءٍ، وقالَ مَرَّةً: إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ أبي عَاصِمٍ. وقالَ مَرَّةً: أنا أبو الذيبِ، وسَمَّاهُ مَرْوانُ بنُ مُعاويَةَ الفَزَارِيُّ عبدَ الوَهَّابِ، وقالَ عبدُ الرزاقِ: أنا أبو إسحاقَ السُّلَمِيُّ. وقالَ سعيدُ بنُ سُلَيمانَ: أنا أبو إسحاقَ بنُ سَمْعانَ مَوْلَى أسْلَمَ. وقالَ الوَاقِدِيُّ: أنا أبو إسحاقَ بنُ أبي عبدِ المِلِكِ. وقالَ مَرَّةً: أبو إسحاقَ بنُ مُحمدٍ، ومَرَّةً: إسحاقُ بنُ إِدْرِيسَ، وهذا الأخيرُ فيهِ نَظَرٌ. ومنها أبو اليَقْظانِ شَيْخُ المَدائِنِيِّ، قالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ ثِقَةٌ قالَ: قالَ لي أبو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ: أبو اليَقْظَانِ هوَ سُحَيمُ بنُ حَفْصٍ، وسُحَيْمٌ لقَبُهُ، واسمُهُ عَامِرٌ، وكانَ لحفصِ ابنٌ اسمُهُ محمدٌ، ولم يكُنْ يُكَنَّى بهِ، وكانَ أسودَ شَدِيدَ السوادِ، قالَ: قالَ لي أبو اليَقْظانِ: سُمِّيتُ مُدَّةَ عُبَيدِ اللَّهِ. قالَ المَدَائِنِيُّ: فإذا قُلْتَ: ثَنَا أبو اليَقْظانِ فهوَ هوَ، وهوَ سُحَيمُ بنُ حَفْصٍ، وهوَ عامرُ بنُ أبي محمدٍ وعامِرُ بنُ الأسودِ وسُحَيْمُ بنُ الأسودِ وعامِرُ بنُ حَفْصٍ وعُبَيدُ اللَّهِ بنُ فَائِدٍ وأبو إسحاقَ المَالِكِيُّ. وفي الثِّقاتِ سَالِمُ بنُ عبدِ اللَّهِ أبو عَبدِ اللَّهِ النصريُّ المَدَنِيُّ أحَدُ التابِعِينَ هوَ سَالِمٌ مَوْلَى شَدَّادِ بنِ الهادِ، وهوَ سَالِمٌ مَوْلَى النصريِّينَ، وهوَ سَالِمٌ سَبَلانُ، وهوَ سَالِمٌ مَوْلَى مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحدثانِ، وهوَ سَالِمٌ مَوْلَى دَوْسٍ، وهوَ سَالِمٌ أبو عبدِ اللَّهِ الدوسيُّ، وهوَ سَالِمٌ مَوْلَى المهريُّ، وهوَ أبو عبدِ اللَّهِ مَوْلَى شَدَّادٍ، وهوَ أبو سَالِمٍ، إلى غيرِ ذلكَ مِمَّا اشْتَبَهَ على العِجْلِيِّ الأمرُ فيهِ؛ حتَّى أفرَدَ لكلِّ واحدٍ منْ ثلاثةٍ منهُ تَرْجَمَةً. وفعَلَ ابنُ حِبَّانَ ذلكَ في اثنيْنِ، وكذا مسلمٌ والحُسَيْنُ القَبَّانِيُّ؛ لظَنِّهم التعَدُّدَ والافتراقَ، والصوابُ عَدَمُهُ. وقريبٌ منْ هذا أنَّ النجْمَ ابنَ الرِّفْعَةِ الفقيهَ وَجَدَ في موضعٍ خلافاً للزُّهْرِيِّ، وفي آخرَ خلافاً لابنِ شِهَابٍ، فجمَعَ بينَهما لظَنِّ التعَدُّدِ فقالَ: خِلافاً لابنِ شِهَابٍ والزُّهْرِيِّ، وما قِيلَ مِنْ تجويزِ كونِ العَطْفِ تَفْسيرِيًّا، وتقديرُهُ خلافاً لابنِ شِهَابٍ وهوَ الزُّهْرِيُّ، الظاهرُ خلافُهُ، نعم عندي أنَّ الواوَ سَبْقُ قَلَمٍ؛ لوضوحِ الأمرِ في هذا.
862- واعْنَ بالأفرادِ سُماً أوْ لَقَبَا *** أو كُنيَةً نَحْوَ لُبَيِّ بنِ لَبَا 863- أو مِنْدَلٍ عَمْرٍو وكَسْراً نَصُّوا *** في الْمِيمِ أوْ أَبِي مُعَيْدٍ حَفْصُ (أفرادُ العلمِ)، وهوَ ما يُجْعَلُ علامةً على الراوي من اسمٍ وكُنْيَةٍ ولَقَبٍ، (واعْنَ)؛ أي: اجْعَلْ أيُّها الطَّالِبُ منْ عِنايَتِكَ الاهتمامَ (بـ) معرفةِ (الأفرادِ) الآحادِ التي لا يَكونُ منها في كلِّ حرفٍ أوْ فَصْلٍ من الصحابةِ فمَنْ بعدَهم سِوَاها، (سُماً) مُثَلَّثُ المهملةِ أيْ: من الأسماءِ، وهيَ ما تُوضَعُ علامةً على المُسَمَّى، (أو لَقَبَا)؛ أيْ: أوْ من الألقابِ، وهوَ ما يُوضَعُ أيضاً علامةً للتعريفِ، لا على سبيلِ الاسميَّةِ العلميَّةِ، مِمَّا دَلَّ لرِفْعةٍ؛ كزينِ العابدِينَ، أوْ ضِعَةٍ؛ كأنفِ الناقةِ، (أو كُنْيَةً)؛ أيْ: أوْ من الكُنَى، وهيَ ما صَدَرَتْ بأبٍ أوْ أُمٍّ، فهوَ نَوْعٌ مَلِيحٌ عَزِيزٌ، بلْ مُهِمٌّ؛ لتَضَمُّنِهِ ضَبْطَها، فإنَّ جُلَّهُ مِمَّا يُشْكِلُ لقِلَّةِ دَورانِهِ على الألسنةِ معَ كونِهِ لا دخْلَ لهُ في المُؤتِلِفِ، ويُوجَدُ في كتبِ الحُفَّاظِ المُصنَّفَةِ في الرجالِ؛ كالجرحِ والتعديلِ لابنِ أبي حاتِمٍ مَجْموعاً، لكنْ مُفَرَّقاً في آخرِ أبوابِها، وكذا يُوجَدُ في (الإكمالِ) لابنِ ماكولا منهُ الكثيرُ، بلْ أفرَدَهُ بالتصنيفِ الحافظُ أبو بَكْرٍ أحمدُ بنُ هَارُونَ البَرْدِيجِيُّ، وتَعَقَّبَ عليهِ أبو عَبْدِ اللَّهِ بنُ بُكَيْرٍ وغيرُهُ من الحُفَّاظِ مَواضِعَ منهُ ليسَتْ أفراداً، بلْ هيَ مَثانٍ فأكثرُ، ومواضِعَ ليسَت اسماً، بلْ هيَ ألقابٌ؛ كالأجْلَحِ لَقَبٌ بهِ لجَلْحَةٍ كانتْ بهِ، واسمُهُ يحيى. ومِمَّا تَعَقَّبَ عليهِ فيهِ صُغْدِيُّ بنُ سِنانٍ أحَدُ الضعفاءِ، وهوَ بَضَمِّ المهملةِ، وقدْ تُبْدَلُ سِيناً مهملةً، وسُكونِ الغَيْنِ المُعْجمةِ، بعدَها دالٌ مُهْملةٌ، ثمَّ يَاءٌ كيَاءِ النَّسَبِ، اسْمٌ عَلَمٌ بلفظِ النَّسَبِ؛ إذْ ليسَ فَرْداً، ففي الجَرْحِ والتعديلِ لابنِ أبي حَاتِمٍ صُغْدِيٌّ الكُوفِيُّ وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، وفَرَّقَ بينَهُ وبينَ الذي قبلَهُ فضَعَّفَهُ، وفي تاريخِ العُقَيليِّ صُغْدِيُّ بنُ عبدِ اللَّهِ يَرْوِي عنْ قَتَادَةَ، قالَ العُقَيلِيُّ: حَدِيثُهُ غيرُ محفوظٍ. قالَ شيخُنا: وأظُنُّهُ هوَ الذي ذكَرَهُ ابنُ أبي حاتِمٍ، والعُقَيليُّ إنَّما ذكَرَهُ في الضعفاءِ للحديثِ الذي أشارَ إليهِ، وليسَتِ الآفةُ فيهِ منهُ، بلْ هيَ من الراوي عنهُ؛ عَنْبَسةَ بنِ عبدِ الرحمنِ.
ومنهُ سَنْدَرٌ بفتحِ المُهملتيْنِ بينَهما نونٌ بوَزْنِ جَعْفَرٍ، وهوَ مَوْلَى زِنْباعٍ الجزاميِّ لهُ صحبةٌ وروايَةٌ، والمشهورُ أنَّهُ يُكَنَّى أبا عبدِ اللَّهِ، وهوَ اسْمٌ فردٌ، لم يَتَسَمَّ بهِ غيرُهُ فيما نعلَمُ، لكنْ ذكَرَ أبو مُوسَى في ذَيلِهِ على الصحابةِ لابنِ مَنْدَهْ سَندَرُ أبو الأسودِ، ورَوَى لهُ حَدِيثاً، وتُعِقِّبَ عليهِ في ذلكَ؛ فإنَّهُ هوَ الذي ذكَرَهُ ابنُ مَنْدَهْ، فقَدْ ذكَرَ الحديثَ المشارَ إليهِ محمدُ بنُ الربيعِ الجِيزِيُّ في تاريخِ الصحابةِ الذينَ نَزَلوا مصرَ في تَرْجمةِ الأولِ كما حَرَّرَ ذلكَ شيخُنا في (الإصابةِ)، على أنَّ ابنَ الصلاحِ قالَ: وعلى ما فَهِمْتُهُ منْ شَرْطِهِ لا يَلْزَمُهُ ما يُوجَدُ منْ ذلكَ في غيرِ أسماءِ الصحابةِ والعلماءِ والرواةِ، بلْ قالَ: والحَقُّ أنَّ هذا فنٌّ يَصْعُبُ الحُكْمُ فيهِ، والحاكِمُ فيهِ على خَطَرٍ من الخَطَأِ و الانتقاضِ؛ فإنَّهُ حَصْرٌ في بابٍ واسعٍ شديدِ الانتشارِ، يعني كما قِيلَ في الحُكْمِ لسَنَدٍ مُعيَّنٍ بأنَّهُ أصَحُّ مُطْلقاً، وقدْ قَلَّدَ ابنُ الصلاحِ غيرَهُ في بعضِ الأوهامِ؛ فإنَّهُ ذكَرَ من الأسماءِ والكُنَى في ذلكَ طائفةً رَتَّبَها على حروفِ المعجمِ ومن الألقابِ عِدَّةً، وعليهِ في كثيرٍ منْ ذلكَ مُؤاخذاتٌ؛ ولذا اقتصَرْتُ منها على جملةٍ مِمَّا لا مُشاحَحَةَ فيهِ. فمِن الأسماءِ (نحوُ) أجْمَدَ بالجيمِ ابنِ عَجْيانَ بعينٍ مُهْمَلةٍ ثمَّ جِيمٍ ومُثنَّاةٍ تَحْتانِيَّةٍ على وزَنْ عَلْيَانَ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ورَأَيْتُهُ بخطِّ ابنِ الفراتِ، وهوَ حُجَّةٌ، مُخَفَّفاً على وزنِ سُفْيَانَ، صَحَابِيٌّ. وقيلَ فيهِ بالحاءِ المهملةِ كالجَادَةِ، وأوْسَطِ بنِ عَمْرٍو البَجَلِيِّ، تَابِعِيٌّ، وتَدُومَ كتَقُومُ، ابنِ صُبْحٍ بضَمِّ الصادِ المُهملةِ، الكُلاعِيِّ عنْ تَبيعٍ الحِمْيَرِيِّ، ابنِ امرأةِ كَعْبِ الأحبارِ، وجُبَيْبٍ بالجيمِ مُصغَّراً ابنِ الحارثِ، صَحَابِيٌّ، وجَنْدَرَةَ ابنِ خَيْشَنَةَ أبو قِرْصافَةَ، وجيلانَ بكسرِ الجيمِ ثمَّ مُثنَّاةٍ تَحتانيَّةٍ سَاكِنَةٍ، ابنِ فَرْوَةَ أبو الجَلْدِ بفتحِ الجيمِ ثمَّ لامٍ ساكنةٍ ودالٍ مُهملَةٍ، الأخباريِّ، تابِعِيٌّ، وسَنْدَرٍ الجذاميِّ الخَصِيِّ مَوْلَى زِنْباعٍ، لهُ صُحْبَةٌ، وشَكَلٍ بفتحتيْنِ، ابنِ حُمَيدٍ، صَحَابِيٌّ، وشَمْغُونَ بنِ زَيْدٍ أبو رَيْحانَةَ، صَحَابِيٌّ، وهوَ بمُعْجَمتيْنِ، وحُكِيَ في كلٍّ منهما الإهمالُ وصُدَيٍّ كأُبَيٍّ، ابنِ عَجْلانَ أبو أُمامةَ الصحابيُّ، وضُرَيْبِ بنِ نُقَيْرٍ أوْ نُفَيْرٍ أوْ نُفَيْلٍ على الأقوالِ بتصغيرِ كُلِّها أبو السَّلِيلِ بفتحِ المهملةِ وكسرِ اللامِ وآخرَهُ لامٌ، العَدَوِيِّ البصريِّ، وعَزْوانَ بمهملةٍ ثمَّ مُعْجمَةٍ ابنِ زيدٍ الرَّقاشِيِّ أحَدِ الزُّهَّادِ، تَابِعِيٌّ، وعَسْعَسَ بمهملاتٍ ابنِ سَلامَةَ أبو صفرةَ التميميِّ البصريِّ، تَابِعِيٌّ، وكَلَدَةَ، بفتحاتٍ، ابنِ الحَنبلِ بحاءٍ مهملةٍ مفتوحةٍ ثمَّ نونٍ سَاكِنَةٍ بعدَها مُوحَّدَةٌ مفتوحةٌ ولامٌ، صَحَابِيٌّ، و(لُبَيِّ) بمُوحَّدَةٍ كأُبَيٍّ بالتصغيرِ، (ابنِ لَبَا) بمُوحَّدَةٍ أيضاً كفتًى وعَصًى، ضَبطَهُ كذلكَ أبو عَلِيٍّ ثمَّ ابنُ الدباغِ وابنُ الصلاحِ، وقيلَ: بضمِّ اللامِ وتشديدِ المُوحَّدَةِ، ضَبَطَهُ ابنُ فَتْحُونَ في (الاستيعابِ)، قالَ: وكذلكَ رأيتُهُ بخَطِّ ابنِ مفرجٍ فيهِ وفي وَلَدِهِ معاً، وشَذَّ ابنُ قَانِعٍ فجعَلَ لُبَيًّا أُبَيًّا، وهوَ وهْمٌ فاحشٌ، ولَبِيدِ رَبِّهِ بفتحِ أَوَّلِهِ: ابنِ بَعْكَكٍ، بمُوحَّدَةٍ، مفتوحةٍ، ثمَّ عينٍ مهملةٍ ساكنةٍ بعدَها كافانِ، أحدُ ما قيلَ في اسمِ أبي السَّنابِلِ الصحابيِّ، ولُمَازَةَ بضَمِّ اللامِ ثمَّ مِيمٍ خَفِيفةٍ وزاءٍ معجمةٍ ابنِ زَبَّارٍ بمعجمةٍ مفتوحةٍ ثمَّ مُوحَّدَةٍ مُشدَّدَةٍ وراءٍ، تَابِعِيٌّ، ووَابِصَةَ بنِ مَعبَدٍ صَحابِيٌّ، وهُبَيْبٍ، بضمِّ الهاءِ ثمَّ مُوحَّدَتَيْنِ، بينَهما تَحْتانِيَّةٌ مُصَغَّرٌ، ابنِ مُغْفِلٍ بضَمِّ الميمِ ثمَّ مُعْجَمَةٍ ساكنةٍ ثمَّ فاءٍ مكسورةٍ وآخرَهُ لامٌ، وهَمْدَانَ باسمِ القبيلةِ، وقيلَ: إنَّهُ بالذالِ المُعْجمةِ بريد عمر.
وفي بعضِ هؤلاءِ ما الفردِيَّةُ فيهِ وفي أبيهِ معاً، ورُبَّما تكونُ في الكُنْيَةِ أيضاً، وأغْرَبُ منْ هذا كَلِّهِ ما قالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: إنَّهُ لا يُوجَدُ مثلُ أسماءِ آبائِهِ، وهوَ مُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدِ بنِ مُسَرْبَلِ بنِ مُغَرْبَلِ بنِ مُرَعْبَلِ بنِ أَرَندَلِ بنِ سَرَنْدَلِ بنِ عَرَنْدَلِ بنِ ماسِكِ بنِ المُستوردِ، هكذا سَرَدَ نسَبَهُ مَنصورٌ الخَالِدِيُّ ولم يُتابَعْ عليهِ، قالَ أحمدُ العجليُّ: وكانَ أبو نُعَيْمٍ- يعني الفَضْلَ بنَ دُكَيْنٍ- يَسْأَلُنِي عنْ نَسَبِهِ فأُخْبِرُهُ بهِ فيَقولُ: يا أحمدُ، هذهِ رُقْيَةُ العقربِ. ومن الألقابِ نحوُ كُلِّ واحدٍ منْ سَفِينةَ الصحابيِّ المُخْتَلَفِ في اسْمِهِ (أو مِنْدَلٍ) هوَ لَقَبٌ لابنِ عليٍّ العَنَزِيِّ واسمِهِ، (عَمْرٍو وكَسْراً نَصُّوا في الميمِ)؛ أيْ: ونَصُّوا على الكسرِ في الميمِ منهُ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ويَقولُونَهُ كثيراً بفتحِها. زادَ المُصَنِّفُ حكايَةً عنْ خطِّ ابنِ ناصرٍ الحافظِ أنَّهُ الصوابُ، ومَطِينٍ ومُشْكدانَةَ الجُعْفِيِّ، وسيأتي منْ ذلكَ طائفةٌ في نوعِها المُخْتَصِّ بها. ومن الكُنَى نحوُ كُلٍّ عنْ أبي البَدَّاحِ بمُوحَّدَةٍ ثمَّ دَالٍ مُهملةٍ ثَقِيلةٍ وآخرَهُ حاءٌ مهملةٌ ابنِ عَاصِمٍ، تَابِعِيٌّ، وأبي بَرْزَةَ بمُوَحَّدَةٍ مَفْتوحةٍ، ثمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ بعدَها مُعجَمَةٌ الصحابِيِّ، فردٌ فيهم، واسمُهُ نَضْلَةُ بنُ عُبَيدٍ، وأبي سِرْوَعَةَ بكسرِ المهملةِ وفتحِها عُقْبَةَ بنِ الحارثِ، صَحَابِيٌّ، وأبي السَّنَابِلِ بفتحِ المهملةِ ثمَّ نونٍ خفيفةٍ وبعدَ الألفِ مُوحَّدَةٌ ثمَّ لامٌ الماضي قريباً، وأبي العُبَيديْنِ بضمِّ أوَّلِهِ ثمَّ مُوحَّدَةٍ، تثنيَةُ عُبَيدٍ، واسمُهُ مُعاويَةُ بنُ سَبْرَةَ بمهملةٍ مَفْتوحةٍ بعدَها مُوحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ تَابِعِيٌّ، وأبي العشراءِ الدَّارِمِيِّ الماضي ضَبْطُهُ في روايَةِ الآباءِ عن الأبناءِ، وأبي المُدِلَّةِ بضمِّ الميمِ ثمَّ دالٍ مُهْمَلَةٍ مكسورةٍ، بعدَها لامٌ مُشدَّدَةٌ، ثمَّ هَاءُ تأنيثٍ المَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ، وأبي مُرَايَةَ بضمِّ الميمِ ثمَّ راءٍ مهملةٍ مُخَفَّفَةٍ وبعدَ الألفِ تَحْتانِيَّةٌ ثمَّ هاءُ تأنيثِ العجليِّ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، تَابِعِيٌّ، (أو أَبِي مُعَيْدٍ) بضَمِّ الميمِ وفتحِ العينِ المهملةِ وسكونِ المُثنَّاةِ التحتانِيَّةِ وآخرَهُ دالٌ مُهْملةٌ، واسمُهُ، (حَفْصُ) ابنُ غَيْلانَ الدِّمَشْقِيُّ عنْ مَكْحولٍ وجَمَاعةٍ، وعنهُ نحوٌ منْ عَشَرَةٍ، ومعَ هذا جَهِلَهُ ابنُ حَزْمٍ كما جَهِلَ الترمذيُّ صَاحِبُ (الجامِعِ) فقالَ: ومنْ محمدِ بنِ عِيسَى بنِ سَوْرَةَ.
864- واعْنَ بالاسْمَا والكُنَى وقدْ قَسَمْ *** الشيخُ ذا التِّسْعِ أوْ عَشْرٍ قَسَمْ 865- مَن اسْمُهُ كُنْيَتُهُ انْفِرَادَا *** نحوُ أَبِي بِلالٍ او قدْ زَادَا 866- نحوُ أبي بَكْرِ بنِ حَزْمٍ قدْ كُنِي *** أبا مُحَمَّدٍ بخُلْفٍ فافْطُنِ 867- والثانِي مَنْ يُكْنَى ولا اسماً نَدْرِي *** نحوُ أبي شَيبةَ وَهْوَ الْخُدْرِي 869- ثم كُنَى الألقابِ والتَّعَدُّدِ *** نحوُ أبي الشيْخِ أبِي مُحَمَّدِ 869- وابنِ جُريجٍ بأبي الوَليدِ *** وخالِدٍ كُنِّيَ للتعديدِ 870- ثمَّ ذَوُو الْخُلْفِ كُنًى وعُلِمَا *** أسْمَاؤُهُم وعَكْسُهُ وفِيهِمَا 871- وعَكْسُهُ وذُو اشتهارٍ بِسُمِ *** وعَكْسُهُ أبو الضُّحَى لِمُسْلِمِ (واعْنُ)؛ أي: اجْعَلْ أَيُّهَا الطَّالِبُ مِنْ عنايتِكَ الاهتمامَ (بـ) معرفةِ (ـالاسماءِ) بالنقْلِ وبالقصرِ للضرورةِ، لَذَوِي الكُنَى، (والكُنَى) لذَوِي الأسماءِ، فهوَ فَنٌّ مُهِمٌّ مطلوبٌ، وفائدةُ ضبطِهِ الأمنُ منْ ظَنِّ تعدُّدِ الراوي الواحدِ المُكَنَّى في موضعٍ والمُسَمَّى في آخرَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ولم يَزَلْ أهلُ العلمِ بالحديثِ يَعتنونَ بهِ و يَتحفَّظونَهُ ويُطارِحُونَهُ فيما بينَهم ويَنْتقِضُونَ مَنْ جَهِلَهُ، يعني كما عُيِّبَ الجمالُ بنُ هشامٍ إمامُ العربيَّةِ بأنَّهُ رامَ الكشفَ عنْ ترجمةِ أبي الزِّنادِ فلَمْ يَهْتَدِ لمَحَلِّهِ منْ كتبِ الأسماءِ؛ لعَدَمِ معرفةِ اسمِهِ، معَ كونِهِ معروفاً عندَ مبتدي الطلبةِ، ولقد امتَحَنَ شيخُنا بعضَ الطلبةِ بتَعْيِينِ أبي العَبَّاسِ الدِّمَشْقِيِّ شيخِ ابنِ حِبَّانَ حيثُ مَرَّ في قراءةِ زوائِدِ صحيحِهِ عليهِ، فلم يَهْتَدِ لذلكَ، كما قَدَّمْتُهُ في التدليسِ، وقدْ رُوِّينا عنْ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: أنا أبو ذَرٍّ، مَنْ عَرَفَنِي فقدْ عَرَفَنِي، ومَنْ لم يَعْرِفْنِي فأنا جُنْدَبٌ. ورُبَّما يَنْشَأُ عنْ إغفالِهِ زيادةٌ في السنَدِ أوْ نقصٍ منهُ وهوَ لا يَشْعُرُ، فقدْ روَى الحاكمُ منْ حديثِ أبي يُوسُفَ، عنْ أبي حَنِيفَةَ، عنْ مُوسَى بنِ أبي عَائشةَ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ شَدَّادٍ، عنْ أبي الوَلِيدِ، عنْ جابرٍ مرفوعاً: (مَنْ صَلَّى خَلْفَ الإِمَامِ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ لَهُ قِرَاءَةٌ). وقالَ: إنَّ عبدَ اللَّهِ هوَ أبو الوليدِ، كما بَيَّنه عليُّ بنُ المَدينِيِّ. يعني فعنْ زائِدَةَ، قالَ: ومَنْ تهاونَ بمعرفةِ الأسامي أوْرَثَهُ مثلَ هذا الوهْمِ. انتهَى. وعَكْسُهُ أنْ تُسْقِطَ (عَنْ) كما اتَّفَقَ للنَّسائِيِّ معَ جَلالتِهِ حيثُ قالَ: عنْ أبي أُسامةَ حَمَّادِ بنِ السائبِ؛ لأنَّ أبا أُسامةَ هوَ حَمَّادُ بنُ أُسامةَ، وشَيْخُهُ حَمَّادٌ هوَ مُحمدُ بنُ السائبِ أبو النضْرِ الكَلْبِيُّ، كما تَقدَّمَتِ الإشارةُ إليهِ في النوعِ قبلَهُ. وليَحْيَى بنِ مَعِينٍ وعليِّ بنِ المَدِينِيِّ وأبي بكرِ بنِ أبي شَيْبَةَ ومسلمٍ والنَّسائيِّ وابنِ أبي حَاتِمٍ وشبابٌ العُصْفُرِيُّ وأبي محمدِ بنِ الجَارُودِ وأبي بِشْرٍ الدَّوْلابِيِّ وأبي القاسمِ بنِ مَنْدَهْ ووالِدِهِ أبي عبدِ اللَّهِ وأبي عَرُوبةَ الحَرَّانِيِّ وأبي عبدِ اللَّهِ بنِ مَخْلَدٍ وأبي عُمَرَ بنِ عبدِ البرِّ وأبي إسحاقَ الصَّرِيفِينِيِّ وأبي أحمدَ الحاكمِ النَّيْسابورِيِّ وغيرِهم فيهِ تَصانِيفُ، سَمَّى ابنُ عبدَ البرِّ تصنيفَهُ (الاستغناءَ في معرفةِ الكُنَى)، وهوَ مُجلَّدٌ ضَخْمٌ، ولَعَلَّهُ اندرَجَ في قولِ ابنِ الصلاحِ: ولابنِ عبدِ البَرِّ في أنواعٍ منهُ كُتُبٌ لطيفةٌ رائِقَةٌ. انتهَى. وأجَلُّها آخرُها؛ لعَدَمِ اقتصارِهِ على مَنْ عُرِفَ اسمُهُ، بلْ ذَكَرَ مَنْ لم يُعْرَفِ اسمُهُ أيضاً، بخلافِ مسلمٍ والنسائيِّ وغيرِهما؛ فإنَّهم لا يذكُرُونَ غالباً إلاَّ مَنْ عُرِفَ اسمُهُ، وهيَ مَرْتَبَةٌ على الشائعِ للمَشارقةِ في الحروفِ إلاَّ النسائيَّ، فعلى تَرْتيبٍ فيها كأنَّهُ ابتَكَرَهُ، فبَدَأَ بالألفِ ثمَّ اللامِ ثمَّ المُوحَّدَةِ وأُخْتَيْها، ثمَّ الياءِ الأخيرةِ ثمَّ النونِ ثمَّ السينِ وأُخْتِها، ثمَّ الراءِ وأُخْتِها، ثمَّ الدالِ وأُخْتِها، ثمَّ الكافِ ثمَّ الطاءِ وأخْتِها، ثمَّ الصادِ وأختِها، ثمَّ الفاءِ وأختِها، ثمَّ الواوِ ثمَّ الهاءِ ثمَّ الميمِ ثمَّ العينِ وأختِها، ثمَّ الحاءِ وأختَيْها، ولم يُراعُوا جميعاً ترتيبَها في كلِّ حرفٍ بحيثُ يَبْدَءونَ في الهمزةِ مَثَلاً بأبي إبراهيمَ قبلَ أبي إسحاقَ، ثمَّ بأبي إسحاقَ قبلَ أبي أسْلَمَ؛ جَرْياً منهم على عادةِ المُتقَدِّمِينَ غالباً، فالكَشْفُ منها لذلكَ مُتْعِبٌ؛ ولذا رتَّبَ الذَّهَبِيُّ كتابَ الحاكمِ مُجرَّداً عن المتونِ والتراجمِ وغيرِها وسمَّاهُ (المُعْتَنَى في سردِ الكُنَى)، وقالَ: إنَّ مصنِّفَ الأصلِ زادَ وأفادَ وحرَّرَ وأجادَ، وكتابُهُ في أربعةَ عَشَرَ سِفْراً، يجيءُ بالخطِّ الرفيعِ خمسةُ أسفارٍ أوْ نحوِها، وكذا جَمَعَ في (الكُنَى) محمدٌ المَدْعُوُّ ثَابِتُ بنُ الحسَنِ بنِ عَلِيٍّ اللَّخْمِيِّ بنِ الصَّيْرَفِيِّ، ولي فيها أيضاً تَصْنيفٌ لم أُبَيِّضْهُ إلى الآنَ. (وقَدْ قَسَمْ) بالتخفيفِ (الشيخُ) ابنُ الصلاحِ (ذَا) النوعَ إِمَّا (لتِسْعٍ) بتقديمِ المُثنَّاةِ على المُهْملةِ من الأقسامِ؛ نَظَراً إلى ما ذكَرَهُ في النوعِ الخَمْسِينَ، (او) بالنقْلِ (عَشْرٍ قَسَمْ)؛ أيْ: أقسامٍ، بانضمامِ المَعْروفِينَ بالاسمِ دونَ الكُنْيَةِ الذي أفْرَدَهُ في نوعٍ مُستقِلٍّ، وقالَ فيهِ: إنَّهُ مِنْ وَجْهٍ ضِدُّ النوعِ الذي قبلَهُ، ومنْ شَأْنِهِ أنْ يُبَوِّبَ على الأسماءِ، ثمَّ يُبَيِّنُ كُنَاها، بخلافِ الذي قبلَهُ، قالَ: وقَلَّ مَنْ أفرَدَهُ بالتصنيفِ،
وبَلَغَنا أنَّ لأبي حاتِمِ بنِ حِبَّانَ البُسْتِيِّ فيهِ كتاباً، ومنْ وَجْهٍ آخَرَ يصلُحُ أنْ يُجْعَلَ قِسْماً منْ أقسامِهِ، يعني كما سلَكَهُ مُصَنِّفو الكُنَى، حيثُ جَمَعوا مَنْ عُرِفَ بالكُنيَةِ ومنْ عُرِفَ بالاسمِ، وتَبِعَهم الناظمُ، وكذا قالَ ابنُ كثيرٍ: إنَّهُ كانَ ينبغي أنْ يَكُونَ هذا النوعُ- يعني من اشتهَرَ بالاسمِ- قِسْماً عاشراً للأقسامِ المذكورةِ. القسمُ الأولُ من العَشَرةِ وهوَ قسمانِ: (مَن اسْمُهُ كُنْيَتُهُ انْفِرَادَا)؛ أيْ: ليسَ لهُ كُنْيَةٌ ولا اسمٌ غيرُها، (نَحْوُ أَبِي بلالٍ) الأشعريِّ الراوي عنْ شَرِيكٍ وغيرِهِ؛ فإنَّهُ رُوِيَ عنهُ أنَّهُ قالَ: ليسَ لي اسمٌ، اسمي وكُنْيتِي واحدٌ. وما قيلَ مِنْ أنَّ اسمَهُ محمدٌ، فشاذٌّ، ونحوُ أَبِي حُصَينِ بنِ يحيَى بنِ سُلَيمانَ الرازيِّ، روَى عنهُ جماعةٌ، منهم أبو حَاتِمٍ الرَّازيُّ، وسألَهُ هلْ لكَ اسمٌ؟ فقالَ: لا، اسمي وكُنيتِي واحدٌ. قال: فقلتُ لهُ: أنا أُسَمِّيكَ عبدَ اللَّهِ. فتَبَسَّمَ، وما وقَعَ في ترجمةِ الحسنِ بنِ العَبَّاسِ المُقْرئِ من المعجمِ الصغيرِ للطَّبرانيِّ منْ أنَّ اسمَ أبي حُصَينٍ يَحْيَى بنُ سُلَيمانَ فوَهِمَ، فيحيَى إِنَّما هوَ اسمُ أبيهِ، وكذا ذُكِرَ منْ أمثلةِ هذا القسمِ أبو بكرِ بنِ عَيَّاشٍ المقرئُ راوي قراءةِ عاصمٍ؛ لقولِهِ: ليسَ لي اسمٌ غَيْرُهُ، وسألَهُ ابنُهُ إبراهيمَ لَمَّا نزَلَ بهِ الموتُ عنْ ذلكَ فقالَ: يا بُنَيَّ، إنَّ أباكَ لم يكُنْ لهُ اسمٌ، وإنَّهُ لم يأتِ فاحشةً قَطُّ، ويَخْتِمُ القرآنَ منذُ ثلاثِينَ سَنَةً، كلَّ يومٍ مَرَّة. ولذا لَمَّا سأَلَ أبو حاتمٍ ابنَهُ هذا عن اسمِ أبيهِ، قالَ: اسمُهُ وكنيتُهُ واحدٌ. وهوَ الذي صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ وابنُ الصلاحِ والمِزِّيُّ، وقيلَ: بلْ لهُ اسمٌ غيرُها، فقيلَ: حَبِيبٌ أوْ حَمَّادٌ أوْ خِدَاشٌ أورُؤْبَةَ أوْ سالِمٌ أوْ شُعْبَةُ أوْ عبدُ اللَّهِ أوْ محمدٌ أوْ مُسلِمٌ أوْ مُطرِّفٌ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: إنْ صَحَّ لهُ اسمٌ فهوَ شُعْبَةُ، وهوَ الذي صَحَّحَهُ أبو زُرعةَ ومشَى عليهِ الشاطِبِيُّ، وعاشَ قريباً منْ مائةِ سنةٍ حتَّى كانتْ وفاتُهُ بعدَ التسعينَ ومائةٍ، وأبو عَمْرِو بنُ العلاءِ المازنيُّ أحدُ أئمَّةِ القُرَّاءِ قيلَ: اسمُهُ كُنْيَتُهُ. وقيلَ: بلْ سُمِّيَ إِمَّا العُرْيانَ أوْ زَبَّانَ أوْ يحيَى أوْ جزءً أوْ غيرَها على الأقوالِ، وأبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ أحَدُ الفقهاءِ السبْعةِ، لَمَّا قيلَ منْ أنَّ اسمَهُ كُنْيتُهُ، ولكنْ قدْ قِيلَ في اسمِهِ: إسماعيلُ أوْ عبدُ اللَّهِ. وهوَ الأرجَحُ، وبالجملةِ فأمثلةُ هذا القسمِ قليلةٌ، وقلَّ أنْ تَخْلُوَ منْ خَدْشٍ، وما أظْرَفَ قولَ بعضِ هؤلاءِ لابنِهِ وقدْ سَألَهُ عن اسمِهِ: يا بُنَيَّ، إِنَّ أباكَ وُلِدَ بعدَ أنْ قُسِّمَتِ الأسماءُ. (او) بالنقْلِ (قدْ زَادَا) على الكنيَةِ التي هيَ اسمُهُ، وهوثاني قِسْمَيِ القسمِ الأوَّلِ (نَحْوُ أَبِي بَكْرِ بنِ) محمدِ بنِ عمرِو بنِ (حَزْمٍ) الأنصاريِّ، (قَدْ كُنِي أبا مُحمدٍ بخُلْفٍ) فيها فيُقالُ: إنَّ أبا بكرٍ اسمُهُ، وإنَّ أبا محمدٍ كُنْيتُهُ. وقيلَ: بل اسمُهُ كُنْيتُهُ، وهوَ أبو بَكْرٍ ونحوُهُ القولُ بأنَّهُ لا كُنْيَةَ لهُ، بل اسمُهُ وكُنْيتُهُ واحدٌ. حكاهُ ابنُ الصلاحِ وغيرُهُ، (فَافْطُنِ) لهذا الخلافِ، وأبي بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ هِشامٍ أحدِ الفقهاءِ السبعةِ، اسمُهُ أبو بكرٍ، وكُنْيتُهُ أبو عبدِ الرحمنِ، على ما قالَهُ ابنُ الصلاحِ، ثمَّ المِزِّيُّ، وقيلَ: أبو محمدٍ. وقيلَ: اسمُهُ محمدٌ.
وقيلَ: عُمَرُ. ولكنَّ الصحيحَ عندَ النوويِّ والمِزِّيِّ أنَّ اسمَهُ كُنْيتُهُ. (و) القِسْمُ (الثاني مَنْ يُكَنَّى وَلا اسْماً) لَهُ (نَدْرِي)، فيما وَقَفْنا عليهِ، فلا نَدْرِي أكُنْيتُهُ اسمُهُ؛ كالأولِ أوَّلُهُ اسمٌ ولم نَقِفْ عليهِ، (نَحْوُ) أبي أُناسٍ بضَمِّ الهمزةِ وتخفيفِ النونِ، وآخرَهُ مهملةٌ، ابنِ زُنَيْمٍ، بمعجمةٍ ثمَّ نونٍ، وآخرَهُ ميمٌ، مُصَغَّرٌ، الليثيِّ أو الدِّيلِيِّ، صحابيٌّ، وأبي شَاهٍ، و(أَبِي شَيْبَةَ) بمعجمةٍ ثمَّ مُثنَّاةٍ تَحتانِيَّةٍ بعدَها مُوَحَّدَةٍ، (وَهْوَ الخُدْرِي) بضمِّ المعجمةِ ثمَّ مهملةٍ ساكنةٍ، أخو أبي سعيدٍ الشهيرِ، صحابِيٌّ مُقِلٌّ، قالَ أبو زُرْعةَ وابنُ السَّكَنِ: لا يُعْرَفُ اسمُهُ. وكذا قالَ ابنُ سعدٍ: لم يُسَمَّ لنا، ولم نَجِدِ اسمَهُ ولا نَسَبَهُ في كتابِ نَسَبِ الأنصارِ. انتهى. ماتَ في حصارِ القُسْطَنْطِينيَّةِ، ودُفِنَ هناكَ، وأبي مُوَيهبةَ أوْ أبي موهبةَ أوْ أبي مَوْهوبةَ- وهوَ قولُ الواقديِّ- مَوْلَى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وأبي حَرِيزٍ بمُهملتيْنِ وآخرَهُ معجمةٌ؛ ككَثيرٍ، المَوْقِفِيِّ شيخٍ لابنِ وَهْبٍ، والمَوْقِفُ مَحَلَّةٌ بمِصْرَ. (ثُمَّ) وهوَ القسمُ الثالِثُ، (كُنَى) لذَوِي أسماءٍ نزَلَتْ منزلةَ (الألقابِ)؛ لمُشابَهَتِها لها في معناها منْ رِفْعَةٍ أوْ ضَعَةٍ، معَ أنَّ لصاحبِها كُنْيَةً غَيْرَها. (و) القسمُ الرابعُ كُنَى (التعَدُّدِ) بأنْ يَكُونَ لهُ أكثرُ منْ كُنْيَةٍ، رِيادةً على اسمِهِ ولا لَقَبَ فيها، ولكلٍّ منهما أمثلةٌ، فالأوَّلُ (نحوُ أَبِي الشَّيْخِ) فهوَ لَقَبٌ للحافظِ الشهيرِ عبدِ اللَّهِ بنِ محمدِ بنِ جعفرٍ الأصبهانيِّ (أَبِي مُحَمَّدِ)، وأبي تُرابٍ لعَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ، وما كانَ لهُ اسمٌ أحَبُّ إليهِ منهُ؛ كما قالَهُ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ، وكُنْيَتُهُ أبو الحَسَنِ وأبي الزِّنادِ، لعَبدِ اللَّهِ بنِ ذَكْوانَ، وكانَ يَغْضَبُ منهُ فيما قِيلَ، وكُنْيَتُهُ أبو عبدِ الرحمنِ، وأبي الآذانِ بالمَدِّ لعُمَرَ بنِ إبراهيمَ الحافظِ؛ لكِبَرِ أُذُنيْهِ، وكُنْيَتُهُ أبو بَكْرٍ، وأبي الرجالِ لمحمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ؛ لأنَّهُ كانَ لهُ عَشَرَةُ أولادٍ، وكُنْيَتُهُ أبو عبدِ الرحمنِ، (و) نحوُ (ابنِ جُرَيْجٍ) بجيمَيْنِ مُصَغَّرٌ، عبدِ الملكِ بنِ عبدِ العزيزِ (بـ) كلٍّ مِنْ (أَبِي الوليدِ وأبي خَالِدٍ كُنِّيَ) بالتشديدِ في أمثلةٍ؛ (للتعديدِ) ثاني هذيْنِ القِسْميْنِ، وكانَ عبدُ اللَّهِ العُمَرَيُّ يُكَنَّى بأَبِي القاسمِ فتَرَكَها واكْتَنَى بأبي عَبْدِ الرحمنِ، وكذا كانَ السُّهَيْلِيُّ يُكَنَّى بأبي القَاسِمِ وأبي عبدِ الرحمنِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وكانَ لشيخِنا مَنْصورِ بنِ أبي المَعالِي النَّيْسابُورِيِّ حَفِيدِ الفُراوِيِّ ثلاثُ كُنًى؛ أبو بَكْرٍ وأبو الفَتْحِ وأبو القَاسِمِ، قُلْتُ: ونحوُهُ شَيْخُنا كُنْيَتُهُ الصحيحةُ أبو الفضلِ، وكُنِّي أيضاً بأبي العَبَّاسِ وبأبي جَعْفَرٍ، ورُبَّما يُذْكَرُ في هذا القسمِ ما يكونُ أمثلةَ الذى بعدَهُ. (ثم) وهوَ الخامِسُ (ذَوُو الخُلْفِ كُنًى) بالتنوينِ أيْ: مَن اختُلِفَ في كُناهم، فاجْتَمَعَ لهُ من الاختلافِ كُنْيتانِ فأكثرُ، (وعُلِمَا) بلا خلافٍ (أسماؤُهم) كأُسامَةَ بنِ زيدِ بنِ حارثةَ الحِبِّ بنِ الحِبِّ، مَوْلَى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، لا خلافَ في اسمِهِ، وفي كُنْيَتِهِ اختلافٌ، فقِيلَ: أبو خَارِجَةَ أوْ أبو زَيْدٍ أوْ أبو عبدِ اللَّهِ أوْ أبو مُحَمَّدٍ، ولأبي مُحَمَّدٍ عبدِ اللَّهِ بنِ عَطَاءِ اللَّهِ الإبْرَاهِيمِي الهَرَوِيِّ من المُتأخِّرِينَ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ في هذا القِسْمِ مُخْتَصَرٌ، قالَ: وفي بعضِ أهلِهِ مَنْ هوَ في نفسِ الأمرِ مُلْتحِقٌ بالذي قبلَهُ. (وعَكْسُه) وهوَ السادسُ مَن اختُلِفَ في أسمائِهم دونَ كُنَاهم؛ كأبي هُرَيرةَ، فإنَّهُ لا خلافَ في تَكَنِّيهِ بها، واختُلِفَ في اسمِهِ على نحوِ عشرينَ قولاً، فقيلَ: عبدُ شمسٍ وعبدُ تَيْمٍ وعبدُ نهمٍ، وعبدُ العُزَّى وعبدُ ياليلَ، وهذهِ لا جائِزَ أنْ تَبْقَى بعدَ أنْ أسَلَمَ، كما أشارَ إليهِ ابنُ خُزَيمةَ، وعُبَيَدٌ بدونِ إضافةٍ، وعُبَيدُ اللَّهِ وسُكَيْنٌ بالتصغيرِ، وسَكَنٌ بفتحتيْنِ، وعَمْرٌو بفتحِ العينِ، وعُمَيْرٌ بالتصغيرِ، وعامرٌ وبَرِيرٌ، وبَرٌّ، ويَزِيدُ، وسَعْدٌ وسَعِيدٌ، وعبدُ اللَّهِ، وعبدُ الرحمنِ، وجَمِيعُها مُحتمَلٌ في الجاهليَّةِ والإسلامِ إِلاَّ الأخيرَيْنِ فإنَّهما إسلاميَّانِ جَزْماً، وكذا مَجْموعُ ما قيلَ في اسمِ أبيهِ خمسةَ عَشَرَ قولاً، بلْ قالَ القطبُ الحَلَبِيُّ: إنَّهُ اجتمَعَ من اسمِهِ واسمِ أبيهِ أربعةٌ وأربعونَ قولاً، مَذْكورةٌ في (الكُنَى) للحاكمِ و(الاستيعابِ) و(تاريخِ ابنِ عَسَاكِرَ)، واختارَ ابنُ إسحاقَ أنَّهُ عبدُ الرحمنِ بنُ صَخْرٍ، وصَحَّحَهُ أبو أحمدَ الحاكِمُ والرافعيُّ في (التَّذْنيبِ)، والنَّوَوِيُّ، وصَحَّحَ الدِّمياطيُّ أنَّهُ عُمَيرُ بنُ عامرٍ. (وفِيهِما)؛ أيْ: في الأسماءِ والكُنَى جَمِيعاً اخْتلافٌ، وهوَ السابعُ؛ كسفينةَ مَوْلَى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فسَفِينةُ إِنَّما هوَ لَقَبُهُ وبهِ اشتهَرَ، وفي اسمِهِ واحدٌ وعِشْرونَ قَوْلاً، قيلَ: عُمَيْرٌ أوْ صَالِحٌ أوْ مِهْرانُ أوْ طَهْمانُ أوْ قَيْسٌ. ولا نُطِيلُ بسَرْدِها، وكذا كُنِّيَ بأبي عبدِ الرحمنِ أوْ أبي البَخْتَرِيِّ. (وعَكْسُه) وهوَ الثامنُ مَنْ لم يُخْتَلَفْ في واحدٍ من اسمِهِ وكنيتِهِ؛ كالأئمَّةِ الأربعةِ آباءِ عبدِ اللَّهِ؛ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وأبي حَنِيفَةَ النعمانِ بنِ ثَابِثٍ. (وذُو اشْتِهَارٍ بسُمِ) بضمِّ السينِ المُهملةِ لغةٌ في الاسمِ غيرُ لُغةِ القصرِ، فيُعْرَبُ بالحَرَكاتِ الظاهرةِ؛ أيْ: مَن اشتهَرَ باسمِهِ دونَ كُنْيتِهِ، وإنْ كانتْ لهُ كُنْيَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وهوَ التاسِعُ، وهوَ الذى أفرَدَهُ ابنُ الصلاحِ كما قَدَّمْنا بنوعٍ؛ كطَلْحَةَ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ وعبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ والحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ، في آخَرِينَ كنيَةُ كلٍّ منهم أبو محمدٍ، وكالزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ والحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ وحُذَيْفَةَ وسَلْمَانَ وجَابِرٍ فى آخَرِينَ كُنُّوا بأَبِي عبدِ اللَّهِ، (وعَكْسُهُ) وهوَ العاشرُ مَن اشتهَرَ بكنيَةٍ دُونَ اسمِهِ وإنْ كانَ اسْمُهُ مُعَيَّناً مَعْروفاً، ومنهُ (أبو الضُّحَى) بضَمِّ الضادِ المعجمةِ ثمَّ حاءٍ مَفْتوحةٍ كُنْيَةٌ (لمُسلمِ) بنِ صُبَيْحٍ بضمِّ المهملةِ ثمَّ مُوحَّدَةٍ مَفْتوحةٍ وآخرَهُ مهملةٌ، وأبو إِدْرِيسَ الخَوْلانِيُّ عَائِذُ اللَّهِ بنُ عبدِ اللَّهِ في آخَرِينَ، ومِمَّا يَلْتَحِقُ بالكُنَى نوعانِ: أهْمَلَهما ابنُ الصلاحِ وأتباعُهُ، منْ وَافَقَتْ كُنْيتُهُ اسمَ أبيهِ؛ كأبي إسحاقَ إبراهيمَ بنِ إسحاقَ المَدَنِيِّ أحدِ أتباعِ التابعِينَ. قالَ شَيْخُنا: وفَائِدَةُ معرفتِهِ نَفْيُ الغَلَطِ عمَّن نَسَبُهُ إلى أبيهِ، فقالَ: أنا ابنُ إسحاقَ. لظَنِّهِ أنَّهُ تصحيفٌ، وأنَّ الصوابَ: أنا أبو إسحاقَ، أوْ كُنْيَتُهُ كنيَةُ زوجتِهِ كأَبِي أَيُّوبَ الأنصاريِّ، وأمِّ أَيُّوبَ، صَحابيَّانِ مَشْهورانِ، وفائدتُهُ دفْعُ تَوَهُّمِ تصحيفِ أداةِ الكُنْيَةِ، وعندي فيهِ مُصَنَّفٌ لأبي الحَسَنِ بنِ حَيُّويَهْ.
872- واعْنَ بالالقابِ فرُبَّمَا جَعَلْ *** الواحِدَ اثنينِ الذي منها عَطِلْ 873- نحوُ الضعيفِ أيْ بجِسْمِهِ ومَنْ *** ضَلَّ الطريقَ باسْمِ فاعلٍ ولَنْ 874- يَجوزَ ما يَكرَهُهُ الْمُلَقَّبُ *** ورُبَّمَا كانَ لبَعْضٍ سَبَبُ 875- كغُنْدَرٍ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ *** وصالِحٍ جَزَرَةَ الْمُشْتَهِر (الألقابُ) وكانَ الأنسَبُ- حَيْثُ خُولِفَ الأصلُ في ضَمِّ مَنْ عُرِفَ باسمِهِ إلى الكُنَى- أنْ يَضُمَّ هذا إليها أيضاً، ولَعلَّهُ أفْرَدَهُ لكثرةِ ما فيهِ من التصانيفِ، (واعْنَ)؛ أي: اجْعَلْ أَيُّها الطالِبُ مِنْ عِنايتِكَ الاهمتامَ بمعرفةِ (الألقابِ)، الماضي تعريفُها في أفرادِ العلمِ قريباً للمُحدِّثِينَ والعلماءِ ومَنْ يُذْكَرُ معَهم، (فرُبَّمَا جَعَل الوَاحِدَ اثنيْنِ)؛ حيثُ يَجِيءُ مَرَّةً باسمِهِ وأُخْرَى بلَقَبِهِ، (الَّذِى مِنْهَا)؛ أيْ: مِنْ مَعْرِفَتِها (عَطِلْ)؛ أيْ: خَلا؛ لظَنِّهِ في الألقابِ أنَّها أسامي، لا سِيَّما وقدْ وقَعَ ذلكَ لجماعةٍ منْ أكابرِ الحُفَّاظِ؛ كعَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ وعبدِ الرحمنِ بنِ يُوسُفَ بنِ خِرَاشٍ وأبي أحمدَ بنِ عَدِيٍّ؛ إذ فَرَّقوا بينَ عبدِ اللَّهِ بنِ أبي صالحٍ أخي سُهيلٍ وبينَ عَبَّادِ بنِ أبي صالحٍ، وجَعَلوهما اثنيْنِ، وليسَ عَبَّادٌ بأخٍ لعبدِ اللَّهِ؛ كما أشَرْتُ إليهِ في الإخوةِ والأخواتِ، بلْ هوَ لَقَبُهُ حَسْبَما قالَهُ أحمدُ وابنُ مَعِينٍ وأبو حَاتِمٍ الرازيُّ وأبو دَاوُدَ السِّجْسِتانِيُّ ومُوسَى بنُ هارُونَ بنِ عبدِ اللَّهِ البَغْدادِيُّ، ومحمدُ بنُ إسحاقَ السَّرَّاجُ، ورُبَّما جَهِلَهُ الطالبُ أصلاً ورأساً، كما اتَّفَقَ لبعضِ الأعيانِ حيثُ قالَ لشيخِنا: فتَّشْتُ كُتُبَ الرجالِ عنْ تَمْتَامٍ فلم أقِفْ عليهِ، فقَالَ لهُ: هوَ لَقَبٌ، واسمُهُ محمدُ بنُ غالبِ بنِ حَرْبٍ، تَرْجَمَهُ الخَطيبُ ثمَّ الذَّهَبِيُّ وغيرُهما. وقدْ صَنَّفَ في الألقابِ جَمَاعَةٌ من الأئمَّةِ الحُفَّاظِ؛ كأبي بكرِ أحمدَ بنِ عبدِ الرحمنِ الشِّيرازِيِّ، وهوَ في مُجَلَّدٍ مُفِيدٍ كثيرِ النفعِ، واختصَرَهُ أبو الفضْلِ بنُ طاهرٍ؛ وكأبي الفضْلِ الفَلَكِيِّ وأبي الوليدِ بنِ الفَرْضيِّ، مُحَدِّثٌ الأندَلُسِ، وأبي الفرجِ بنِ الجوزيِّ، وهوَ أَوْسَعُها، وسَمَّاهُ (كَشْفَ النقابِ)، وجَمَعَها معَ التلخيصِ والزياداتِ شيخُنا في مُؤَلَّفٍ بَدِيعٍ سَمَّاهُ (نُزهةَ الألبابِ)، وزدْتُ عليهِ زوائدَ كثيرةً ضَمَمْتُها إليهِ في تَصْنيفٍ مُسْتقِلٍّ. ولَقَّبَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ جماعةً منْ أصحابِهِ، منهم أبو بَكْرٍ، بالصدِّيقِ، وعُمَرُ بالفاروقِ، وعُثْمانُ بذِي النُّورَيْنِ، وعَلِيٌّ بأبي تُرابٍ، وخالِدُ بنُ الوليدِ بسَيْفِ اللَّهِ، وأبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاحِ بأمينِ هذهِ الأُمَّةِ، وحَمْزَةُ بأسدِ اللَّهِ، وجَعفَرُ بذِي الجَناحيْنِ، وسَمَّى قَبيلتَيِ الأوسِ والخَزْرَجِ الأنصارَ، فغَلَبَ عليهم وعلى حُلَفائِهم، وكانَ الحَسَنُ البصريُّ سَمَّى محمدَ بنَ واسِعٍ سَيِّدَ القُرَّاءِ، وسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَدْعُو المُعافَى بنَ عِمرانَ يَاقُوتَةَ العلماءِ، وابنُ المُبارَكِ يُلَقِّبُ محمدَ بنَ يُوسُفَ الأصبهانيَّ عَرُوسَ الزُّهَّادِ، وأشرفُ مَن اشتهَرَ باللقبِ الجليلِ إبراهيمُ الخليلُ ومُوسَى الكليمُ وعِيسَى المَسِيحُ صَلَّى اللَّهُ وسَلَّمَ وعليهم. وهيَ تارةً تَكونُ بألفاظِ الأسماءِ؛ كأشْهَبَ، وبالصنائعِ والحِرَفِ؛ كالبَقَّالِ، وبالصِّفاتِ كالأعمشِ، والكُنَى؛ كأبي بَطْنٍ، والأنسابِ إلى القبائلِ والبُلْدانِ وغيرِها، وأمثلةُ ذلكَ كثيرةٌ، (نَحْوُ الضَّعِيفِ) لَقَبُ عبدِ اللَّهِ بنِ محمدِ بنِ يَحْيَى أبي محمدٍ الطَّرْسُوسِيِّ، (أيْ بجِسْمِه) لا في حَديثِهِ، كما قالَهُ عبدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيدٍ المِصْرِيُّ، ونحوُهُ قولُ النسائيِّ: إنَّهُ لُقِّبَ بهِ؛ لكثرةِ عِبادَتِهِ. يعني كأنَّ العِبادةَ أنهَكَتْ بَدَنَهُ، لكنْ قالَ ابنُ حِبَّانَ: إنَّهُ قِيلَ لهُ ذلكَ؛ لإتقانِهِ وضبطِهِ. يعني منْ بابِ الأضدادِ؛ كما قيلَ لمسلمِ بنِ خالدٍ الزِّنْجِيِّ معَ أنَّهُ كانَ فيما قِيلَ أشْقَرَ كالبَصَلَةِ أوْ أبيضَ مُشْرَباً بحُمْرَةٍ، وكذا لهم يُونُسُ لَقَّبَهُ أحمدُ بالصَّدُوقِ ولم يَكُنْ صَدُوقاً، وإِنَّما قيلَ لهُ ذلكَ على سبيلِ التهَكُّمِ، كما صَرَّحَ بهِ عبدُ اللَّهِ بنُ أحمدَ، فقالَ: إِنَّ أباهُ عُنِيَ بالصدوقِ الكذوبِ مَقْلوبٌ، (و) نحوُ (مَنْ ضَلَّ الطريقَ)، وهوَ معاويَةُ بنُ عبدِ الكريمِ لُقِّبَ (بـ) الضالِّ (اسمِ فاعِلٍ) مِنْ ضَلَّ؛ لأنَّهُ كما صَرَّحَ بهِ أبو حَاتِمٍ ضَلَّ في طريقِ مَكَّةَ، وكذا قالَ الطَّبَرانِيُّ في مُعْجَمِهِ الكبيرِ: وزَادَ، فماتَ مَفْقوداً، قالَ: وكذا فُقِدَ مَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ وسَلَمُ بنُ أبي الذَّيَّالِ، فلم يُرَ لهم أثَرٌ، ونحوُهُ قولُ الحافظِ عبدِ الغَنِيِّ: رجلانِ نَبِيلانِ لَزِمَهما لقبانِ قَبِبيحانِ: معاويَةُ الضالُّ، وإنَّما ضَلَّ في طريقِ مَكَّةَ، وعبدُ اللَّهِ الضعيفُ، وإنَّما كانَ ضَعِيفاً في جِسْمِهِ،
ونحوُ القَوِيِّ لَقَبٌ للحسنِ بنِ يَزِيدَ بنِ فَرُّوخٍ أبي يُونُسَ، لُقِّبَ بذلكَ معَ كونِهِ كانَ ثِقَةً أيضاً؛ لقُوَّتِهِ على العبادةِ والطوافِ، حتَّى قيلَ: إِنَّهُ بَكَى حتَّى عَمِيَ وصَلَّى حتَّى حَدِبَ، وطافَ حتَّى أُقْعِدَ، كانَ يَطوفُ في كلِّ يومٍ سبعِينَ أُسْبوعاً. ثم إنَّ الألقابَ تَنْقَسِمُ إلى ما لا يَكْرَهُهُ المُلَقَّبُ بهِ؛ كأبي تُرابٍ، لعَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ؛ فإنَّهُ لم يَكُنْ لهُ اسمٌ أحَبُّ إليهِ منهُ، كما قَدَّمْتُهُ، وكبُندارٍ لمحمدِ بنِ بَشَّارٍ؛ لكونِهِ كما قالَ الفَلَكِيُّ: كانَ بُندارَ الحَديثِ، وإلى ما يَكْرَهُهُ؛ كأبي الزِّنادِ وعَلِيِّ بنِ رَبَاحٍ ومشكدانه، فالأوَّلُ جَائِزٌ ذِكْرُهُ بهِ في الروايَةِ وغيرِها، سواءٌ عُرِفَ بغيرِهِ أمْ لا، ما لم يَرْتَقِ إلى الاطراءِ المَنْهِيِّ عنهُ، فليسَ بجَائِزٍ، (ولَنْ يَجُوزَ) أيضاً (مَا يَكْرَهُهُ المُلَقَّبُ) إِلاَّ إذا لم يُتَوصَّلْ لتعريفِهِ إلاَّ بهِ، كما أوضَحْناهُ في أواخرِ آدابِ المُحدِّثِ بما أغْنَى عنْ إعادتِهِ، ويَتأَكَّدُ التحريمُ في التلقيبِ المُبْتَكَرِ من المُلَقَّبِ، فعن ابنِ عُمَرَ مرفوعاً- كما عندَ الحاكِمِ وغيرِهِ: (مَا مِنْ رَجُلٍ رَمَى رَجُلاً بِكَلِمَةٍ يَشِينُهُ بِهَا إِلاَّ حَبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ في طِينَةِ الخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا). (و) مِن المُهمِّ معرفةُ أسبابِها فـ(رُبَّمَا كَانَ لبَعٍضٍ) منها (سَبَبُ)، يعني: ظاهرٌ، وإِلاَّ فكُلُّها لا تخلُو عنْ أسبابٍ. ويُسْتفَادُ الكثيرُ منْ ذلكَ منْ جُزْءٍ سَمِعْتُهُ للحافظِ أبي مُحمدٍ عبدِ الغَنِيِّ بنِ سعيدٍ الأزْدِيِّ المِصْرِيِّ سَمَّاهُ (أسبابَ الأسماءِ) كالضعيفِ والصَّدُوقِ والقَوِيِّ والضالِّ مِمَّا ذُكِرَ هنا، وأبي الرجالِ وأبي الآذانِ، مِمَّا ذُكِرَ في النوعِ قبلَهُ ومُطَيَّنٍ مِمَّا ذُكِرَ في متَى يَصِحُّ تَحَمُّلُ الحديثِ؟ ومشكدانه مِمَّا ذُكِرَ في أدبِ المُحَدِّثِ، والنبيلِ لأبي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بنِ مَخْلَدٍ؛ لكونِهِ لَمَّا بَلَغَهُ أنَّ شُعْبَةَ حَلَفَ أنْ لا يُحَدِّثَ لأمرٍ عرَضَ لهُ، قالَ لهُ: حَدِّثْ وغُلامِي فلانٌ حُرٌّ. فقالَ لهُ شُعْبَةُ: أنتَ نَبِيلٌ. وقيلَ في سببِ ذلكَ غيرُ هذا، وصاعقةَ لمحمدِ بنِ عبدِ الرحيمِ لشِدَّةِ مُذاكَرتِهِ وحِفْظِهِ، وغُنْجارٍ لعِيسَى بنِ مُوسَى أبي أحمدَ التَّمِيمِيِّ البخاريِّ؛ لحُمْرَةَ وَجْنَتيْهِ، وخَتٍّ ليَحْيَى بنِ موسَى شيخِ البخاريِّ؛ لأنَّها كلمةٌ كانتْ تجرِي على لسانِهِ، ولُوَيْنٍ لمحمدِ بنِ سُلَيْمانَ؛ لكونِهِ- كما قالَ الطَّبَرِيُّ- كانَ يَبِيعُ الدَّوابَّ ببغدادَ فيَقولُ: هذا الفَرَسُ لهُ لُوَيْنٌ، هذا الفَرَسُ لهُ قَدِيدٌ، ولكنْ قَدْ نُقِلَ عنهُ قولُهُ: لَقَّبَتْنِي أُمِّي لُوَيْناً، وقدِ رَضِيتُ بِهِ. و(كغُنْدَرٍ) بضَمِّ المعجمةِ ثمَّ نونٍ سَاكنةٍ بعدَها دالٌ مهملةٌ مَفْتوحةٌ ثمَّ راءٌ، (مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ)؛ لكونِهِ كانَ يُكْثِرُ الشَّغَبَ على ابنِ جُرَيْجٍ حينَ قَدِمَ البصرةَ، فقالَ لهُ ابنُ جُرَيْجٍ: اسْكُتْ يا غُنْدَرُ. قالَ عُبَيدُ اللَّهِ ابنُ عائشةَ العَيْشِيُّ: وأهلُ الحجازِ يُسَمُّونَ المشغبَ غُنْدَراً. وقالَ أبو عُمَرَ غُلامُ ثَعْلَبٍ: الغُنْدَرُ الصيِّخُ. وأغرَبَ أبو جعفرٍ النحَّاسُ فزَعَمَ في تأليفِهِ الاشتقاقَ أنَّهُ من الغَدْرِ، وأنَّ نُونَهُ زَائِدَةٌ ودَالَهُ تُضَمُّ وتُفْتَحُ. على أنَّ البُلْقينِيَّ قالَ: إنَّ التشغيبَ في ضِمْنِهِ ما يُشْبِهُ الغَدْرَ، فحينَئذٍ لا يكونُ مخالفاً، ولم يَنفرِدْ بالتلقيبِ بذلكَ، بلْ شارَكَهُ فيهِ سَبْعةٌ مِمَّن اتَّفَقَ معَهُ أيضاً في الاسمِ واسمِ الأبِ، واثنانِ مِمَّن اتَّفَقَ معَهُ في الاسمِ خَاصَّةً في اثنيْنِ، اسمُ كلٍّ منهما أحمدُ، أَوْرَدْتُهم في تَصْنيفِي المشارِ إليهِ، والمَاجِشُونَ ليَعْقوبَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ؛ لأنَّهُ كانَ أبيضَ أحْمَرَ (و) كـ(صَالِحٍ) هوَ ابنُ محمدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَبِيبٍ أَبِي عَلِيٍّ البَغْداديُّ، ثمَّ البخاريُّ، المُلَقَّبُ (جَزَرَةَ) بجيمٍ ثمَّ زَاءٍ منقوطةٍ ثمَّ راءٍ مفتوحاتٍ وهاءِ تَأْنِيثٍ، (المُشْتَهِرِ) بالحفظِ والإتقانِ والضبْطِ والثِّقَةِ؛ لكونِهِ حكَى عنْ نفسِهِ مِمَّا رواهُ الحاكِمُ أنَّهُ صَحَّفَ خَرَزَةَ في حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ بُسْرٍ أنَّهُ كانَ يُرْقَى بخَرَزَةَ، يعني بمعجمةٍ ثمَّ راءٍ ثمَّ زاءٍ مَنْقوطةٍ، إذْ سُئِلَ منْ أينَ سَمِعْتَ؟ فقالَ: منْ حديثِ الجَزَرَةِ. يعني بجيمٍ ثمَّ زاءٍ منقوطةٍ ثمَّ راءٍ، وذلكَ في حداثتِهِ، قالَ: فبَقِيَتْ عَلَيَّ. وقيلَ: في هذهِ الحكايَةِ عنهُ وَجْهٌ آخَرُ، وأنَّهُ قرَأَ على بعضِ شيوخِ الشامِ القادمِينَ عليهم حَدَّثَكم حَرِيزُ بنُ عُثْمَانَ؟ قالَ: كانَ لأبي أُمامَةَ خَرَزَةٌ يُرْقَى بها المريضُ فقالَها جَزَرَةَ. وقِيلَ: إنَّهُ كانَ يقرَأُ على الذهليِّ في الزُّهْرياتِ، فلَمَّا بلَغَ حديثَ عائشةَ أنَّها كانَتْ تَسْترقِي من الخَرَزَةِ، فقالَ: من الجَزَرَةِ. فلُقِّبَ بهِ. وغَلَّطَ الخطيبُ آخرَها، وبالجملةِ فهيَ مُتَّفِقَةٌ على أنَّ السببَ تصحيفُهُ خَرَزَةَ، نعم، قِيلَ في السببِ ما يُخالِفُهُ، وهوَ أنَّهُ لَمَّا كانَ في الكُتَّابِ أهْدَى الصِّبْيانُ للمُؤدِّبِ هَدَايا فكانتْ هَدِيَّتُهُ هوَ جَزَرَةَ؛ فلَقَّبَهُ المُؤَدِّبُ بها وبَقِيَتْ عليهِ، والأوَّلُ أشهرُ، واتُّفِقَ أنَّهُ كانَ يوماً يَمْشِي معَ رفيقٍ لهُ يُلَقَّبُ الجَمَلَ، فمَرَّ جَمَلٌ عليهِ جَزَرٌ، فقالَ لهُ رَفِيقُهُ: ما هذا؟ قالَ: أنا عليكَ. وكانَ مذكوراً كما أُشِيرَ إليهِ في التصحيفِ بكثرةِ المزاحِ، وفي تَرْجَمتِهِ منْ ذلكَ ما يُسْتَظْرَفُ، وكابنِ دَقِيقِ العيدِ فإِنَّ المُلَقَّبَ بذلكَ جَدُّهُ وَهْبٌ؛ لكونِهِ خرَجَ يوماً منْ بَلَدِهِ قُوصٍ وعليهِ طَيْلَسانٌ أبيضُ وثَوْبٌ أبيضُ، فقالَ شَخْصٌ بَدَوِيٌّ: كأنَّ قُماشَ هذا يُشْبِهُ دَقِيقَ العِيدِ. يعني في البياضِ؛ فلَزِمَهُ ذلكَ. ومنْ ظريفِ هذا النوعِ يَموتُ، لَقَبٌ لمحمدِ بنِ المزرعِ بنِ يَمُوتَ البغداديِّ الأخباريِّ كانَ يقولُ فيما رُوِّينا عنهُ: بُلِيتُ بالاسمِ الذي سَمَّانِي بهِ أهْلِي؛ فإِنِّي إذا عُدْتُ مَرِيضاً فاسْتَأْذَنْتُ عليهِ فقِيلَ: مَنْ ذَا؟ أُسْقِطُ اسْمِي، وأقولُ: ابنُ المزرعِ. فكأنَّ محمداً ليسَ أصْلِيًّا، وبهِ جَزَمَ بعضُهم، وإنَّهُ هوَ المُسَمِّي نفسَهُ.
|